المئات يُقتلون ويحاصَرون نتيجة العمل في بيئة مميتةشهيرة سلّوم
تنتشر المناجم في أرجاء مختلفة من العالم، وينتشل مواردها الثمينة، التي تذهب في النهاية إلى جيوب أصحاب الاستثمارات الذين يديرون أعمالهم في الغرف المكيفة، عمال يشاركون نظراءهم في القطاعات الأخرى هموم الرواتب والضمانات، لكنهم يعملون في بيئة قاتلة.
وهذه البيئة لا تقتصر على منطقة دون أخرى، وإنما مشتركة بين كل المناجم، وإن كانت أفضل حالاً عند البعض، بحسب طبيعة الاستغلال والمراقبة. وفي جولة على الحوادث التي وقعت أخيراً داخل المناجم، يلاحظ أنها لا تلقى ما يستحق من الاهتمام.
فقبل أيام، لقي 29 عاملاً حتفهم في منجم فحم بغرب فيرجينيا. فُتح تحقيق في الكارثة، وقدم اتحاد عمال المناجم الأميركي وعائلات الضحايا دعوى أمام المحكمة الفدرالية للمطالبة بتحقيق فدرالي. وفي غانا، حوصر أكثر من 100 عامل في منجم ذهب في بلدة دنكوا أون أوفين (وسط) أغرقته مياه الأمطار ولقي البعض حتفهم. وفي انفجار داخل منجم للفحم قريب من أماغا شمال غرب كولومبيا، قُتل العشرات وحوصر نحو 70 عاملاً. ومن تمكن المسؤولون من انتشالهم أحياء، خرجوا بحروق عميقة، أما الجثث فأُخرجت متفحمة. ووصلت عمليات الإنقاذ الى عمق 180 متراً تقريباً. وزير المناجم، هيرنان مارتينيز، قال إن المنجم سبق أن خضع لعملية مسح، لكنه أشار إلى احتمال «عدم وجود جهاز لكشف تسرب الغاز».
في تركيا أيضاً، وتحديداً في إقليم زونجولداك على البحر الأسود، حوصر عشرات العمال داخل منجم فحم على عمق 540 متراً، بسبب وقوع انفجار. وفي روسيا، وقع انفجاران داخل منجم أوديا بحياة 66 شخصاً على الأقل.
للصين حكايتها الفريدة. تعدّ المناجم الصينية أماكن مميتة، بحيث تفتقر الى أدنى شروط السلامة. وفي 2009 وحده، قُتل ما يزيد على 2631 عاملاً داخل المناجم، أي ما يعادل 7 أشخاص في اليوم الواحد. وهذا الرقم يعدّ متدنياً مقارنة بالعام الذي سبقه، بحيث ناهز عدد القتلى 3.215، بحسب إحصاءات رسمية.
وتقول السلطات إنها وضعت يدها على العديد من المناجم الخاصة، وإن هذا ساعد على تخفيف الحوادث المنجمية. ومنذ فترة قريبة، قُتل نحو 40 شخصاً في انفجار داخل منجم صيني. وأُنقذ 115 عاملاًَ من الموت بعدما احتجزوا لأكثر من أسبوع داخل منجم للفحم غمرته المياه، أكلوا قشر الشجر كي يبقوا أحياء. وغيرها من الحوادث في أرجاء شتى.
فما هي طبيعة هذا العمل. وهل يستحق المخاطرة؟ التنقيب هو عملية استخراج المعادن الثمينة (الحديد واليورانيوم والفحم والماس والصخر الزيتي والبوتاس..) من باطن الأرض.
وتمر عملية التنقيب الحديثة بمراحل عدة: أولاً اكتشاف المواد الخام وتحديد موقعها ونوعها وقيمتها، تحليل القدرات المنفعية لها (الحجم والدرجة وإن كانت مواد متجددة أو ستنضب) من أجل إجراء دراسة ما قبل الجدوى وتحديد النظرية الاقتصادية للمواد. تأتي بعدها مرحلة استخراج المواد (وبناء المفاعل والمعدات اللازمة)، وأخيراً مرحلة استصلاح الأرض من أجل استخدامها لأغراض أخرى. وهناك نوعان من الحفر في المناجم: سطحي (تنظيف الطبقة السطحية وخلق فجوة للوصول الى المعادن) وباطني (شق قنوات وغرف وأعمدة ووضع آليات لسحب الموارد). وتتطلب عملية التنقيب آليات ضخمة ومتفجرات من أجل نقل الموارد المدفونة، وتحطيم الصخور وإزالتها.
وطبيعة هذا العمل له مضار بيئية تشمل التآكل، والتصحر، وتشكيل المجاري، وخسارة التنوع البيولوجي، وتلوث التربة، وتلويث المياه السطحية والباطنية بمواد كيمائية. إذ إن مطاحن المعادن النفيسة تنتج كميات ضخمة من النفايات السامة والكيميائية. لذلك يفترض أن تكون شركات التنقيب الأكثر حرصاً على مراعاة المعايير البيئية، والالتزام بمدونات السلوك.
ولجهة السلامة العامة، تعدّ مسألة تهوية المناجم (العزل والصرف) أساسية لأمان العمال، من أجل تركيز مادة الميثان وغيرها من الغازات الجوفية. التهوية الضعيفة يمكن أن تسبب انفجارات الغازات وارتفاع الحرارة وانتشار الغبار.
ومادة الميثان هي مصدر معروف للانفجارات، ويمكن أيضاً أن تسمّم العاملين وأن تفصل الأوكسيجين، مسببة «أكسيفيكاشين»، لذلك يفترض أن يحصل العمال على معدات للكشف عن الغاز (شأن أول أوكسيد الكربون والأوكسيجين والهيدروجين سالفايد)، إضافة الى أن الرطوبة والحرارة المرتفعة يمكن أن تسببا صدمة حرارية قد تكون قاتلة. والغبار بدوره يسبب مشاكل رئوية، كالسحار الرملي والتليف والتغبر الرئوي.
وبالنسبة إلى الأجر في أعمال كهذه، فإنها أفضل، نسبة إلى خطورتها، من قطاعات أخرى، لكنها غير كافية. وعادة ما تحصل تحركات على المستوى الوطني لاتحادات عمال المناجم للضغط من أجل زيادة الأجور وتحسين شروط العمل.
وهناك فرق شاسع بين أجور العمال في الدول الفقيرة والدول الغنية. في زيمبابوي (حيث يوظف قطاع المناجم نحو 40 ألف عامل). على سبيل المثال، يبلغ معدل الأجر 120 دولاراً شهرياً، فيما يصل معدل الأجر في الولايات المتحدة الى 68.987 ألف دولار سنوياً، أما عمال الفحم المياومون في أميركا فيتقاضون نحو 21.57 دولاراً في الساعة. وفي روسيا يتقاضى عمال مناجم الفحم ما بين 830 و 1164 دولاراً شهرياً.
وفي الإجمال، فإن هذه المعدلات ليست مغرية، والتحركات النقابية على المستوى الوطني والدولي للضغط على أصحاب الاستثمارات لضمان بيئة آمنة للعمل، وعدم استغلال العمال وظروفهم الاجتماعية، وخصوصاً في الدول الفقيرة، جدّ متواضعة، أقلّه هذا ما تؤكده الأصداء المعدومة على حال العمال الذين يقتلون يومياً غرقاً أو احتراقاً أو يدفنون أحياء في باطن الأرض.