حاول بان كي مون أن لا يقع في فخ الفساد كما سلفه كوفي أنان وفضيحة «النفط مقابل الغذاء»، لكنه فشل بعد الاتهامات التي وُجهت إليه، مأ اثار موجة اعتراضات داخلية يعتبرها البعض بمثابة تمرّد في الأمم المتحدة
نيويورك ــ نزار عبود
في طعن مباشر غير مسبوق على الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، شنّت مساعدته لشؤون مكافحة الفساد، إنغابريت أهلينيوس، التي ترأس قسم الرقابة الداخلية هجوماً لاذعاً، وصفته فيه بـ«المثير للاشمئزاز» لأنه قوّض جهودها لمكافحة الفساد ويقود المنظمة العجوز إلى «عهد من الانحدار».
ووردت الاتهامات في مذكرة سرّية من 50 صفحة تسرّبت إلى موقع «ترتل باي»، شرحت فيها أهلينيوس، التي استقالت قبل أسبوع، أسباب تخليها عن وظيفتها، مشيرةً إلى أن بان وكبار مستشاريه حاولوا إيجاد قسم تحقيق منافس يخضع لسيطرة «جهات داخلية متحيزة». وقالت إن «عملكم ليس مؤسفاً للغاية وحسب، بل يثير الاشمئزاز».
وتحدثت الموظفة الأممية السويدية عن أن بان وكبار مساعديه سعوا بصورة منظمة إلى تجاوز استقلالية مكتبها. ووجهت انتقادات حادة فحواها «ما من أمين عام سبقكم شكك بالصلاحية الممنوحة لمكتب الرقابة الداخلية في تعيين موظفيه. ويؤسفني القول إن الأمانة العامة تمرّ بمرحلة انحدار. وأستعير عبارات لزملاء كبار، إنها تهوي نحو التهميش التام».
خطاب أهلينيوس كشف الكثير من الخلافات بين مكتبها ومكتب الأمين العام في أسلوب مكافحة الفساد في المنظمة، التي تتولى إنفاق عشرات مليارات الدولارات سنوياً عند إضافة نفقات حفظ السلام التي تقارب عشرين ملياراً. وقالت في خطابها: «الأمين العام الحالي، أسوة بمن سبقه، كان عليه أن يوازن بين أداء دوره رئيساً إدارياً للأمم المتحدة من جهة، وتحقيق مركز ريادي عالمي من جهة أخرى».
ولم يسلم بعض مساعدي الأمين العام من انتقاداتها، فاتهمتهم بالتدخل في مجرى عملها. وأوردت أمثلةً قائلةً إن كبار الموظفين في قسم مراجعة التعيينات عرقلوا عام 2008 تعيينها للمسؤول عن فرقة التدخل السريع، روبرت أبلتون، الذي أجرى سلسلة من التحقيقات في تعيينات شملت بعثات حفظ السلام، وأدت إلى اكتشاف مواطن خلل هائلة من سوء السلوك والتصرف وأدت إلى سلسلة من التحقيقات أجرتها المباحث الأميركية في الأعوام القليلة الماضية.
اتهام الأمين العام بتقويض مكافحة الفساد وقيادة المنظمة إلى الانحدار
وأشارت أهلينيوس، في رسالتها أيضاً، إلى تدخل نائبة الأمين العام، أشا ـــــ روز ميغيرو، في عملها. وقالت إنها لفتت نظرها إلى «عدم رضى الأمين العام عن أسلوب الطعن في سلطته من دون سبب». وتابعت: «يبدو لي أنكم فشلتم في رؤية الأهمية الحاسمة من دعم مركزكم بجهاز رقابة مستقل، وعوضاً عن ذلك سعيتم على نحو حثيث إلى السيطرة على دوره لإخماده».
من جهته، ردّ رئيس ديوان الأمين العام، فيجاي نامبيار، على المسؤولة السابقة بأنها أساءت فهم اختلاف الآراء في دور التحقيقات، وعزتها إلى «مناورات تآمرية ترمي إلى تقويض سلطتك». وقال إن «استقلالية مكتب الرقابة الداخلية لا يعفيها من اتباع الإجراءات الداخلية المرعية»، وإن هناك «سوء نية في قضيتها، كل من يختلف معها لا بد أن يكون لديه أجندة خفية». وتابع: «إنها لا تتقبل فكرة أن الطرف الآخر يمكن أن يكون منطلقاً من مسألة مبدئية، وإن كانت لا تتقبلها».
ودافع نامبيار عن سيرة بان كي مون، قائلاً إن «نظرة على سجلّه تظهر أنه قد وفّر قيادة متبصّرة أصيلة حيال قضايا مهمة تمتد من تغير المناخ إلى تنمية دور المرأة وتعزيزه. وشجع التوازن بين الجنسين بصورة عامة، وكذلك في المنظمة».
يشار إلى أن مكتب الرقابة الداخلية تأسس عام 1994 بموجب قرار من الجمعية العامة، بهدف مكافحة الفساد والمحسوبية. ومُنح «استقلالية في عمله» مع وضعه تحت تصرف الأمين العام، لكن بمنأى عن بقية دوائر الأمم المتحدة، سواء من حيث التمويل أو الإدارة. فإذا بالصراع يظهر بين الأمين العام ومساعدته رئيسة قسم التحقيقات السويدية.
وفي هذا الشأن، تقول أهلينيوس إن المسؤول كيم وونسو بدأ في إنشاء وحدة تحقيق داخلية مسؤولة أمام الأمين العام مباشرة. وعقدت اجتماعاً مع كيم وصفته بأنه كان «غير سارّ»، قال فيه إن عمله سيخضع لسلطة الأمين العام وحده.
وفي تطور ذي صلة، ووسط ذهول أعضاء مجلس الأمن الدولي أول من أمس، نُقل رئيس وحدة شؤون مجلس الأمن، هورست هايتمان، من منصبه أثناء غيابه في إجازة، ما يعد إهانة للمنصب. ويتولى هايتمان تقديم المشورة لرئيس المجلس الدوري في القضايا الأساسية بشأن أسلوب إدارة أعلى سلطة في العالم. وقد روت مصادر متابعة أن هايتمان كان قد اختلف مع رئيسه، لين باسكو، مساعد الأمين العام للشؤون السياسية، على عدم اتباع تعليماته في مسائل تتعلق بتعيينات في لجان العقوبات. ورجحت المصادر نفسها تعيين هايتمان محل ليزا باتنهايم، في قسم الشرق الأوسط وغرب آسيا في نوع من الإبعاد من دون طرد.


فساد ومحسوبية

يأتي رحيل رئيسة قسم الرقابة الداخلية، إنغابريت أهلينيوس، في خضم أزمة يمر بها قسم التحقيق الداخلي في الأمم المتحدة. فخلال العامين الماضيين صُرف عدد من كبار المحققين.
ولم تتمكن الأمم المتحدة من تعيين نظراء لهم في عشرات الوظائف الشاغرة. مراكز بقي بعضها شاغراً منذ عام 2006، وهو ما جعل المنظمة شبه عاجزة عن مراقبة نفسها ضدّ الفساد الداخلي.
ويروي أحد الموظفين العرب في الأمم المتحدة لـ«الأخبار» أن بعض المترجمين الذين يُرسلون إلى بعثات في الخارج وينالون مخصصات تتجاوز أحياناً 20 ألف دولار شهرياً، ربما لا يكونون قد أمضوا سوى أشهر في تعلم اللغة. وأضاف: «يكفي أن يكونوا من أصول معينة لكي ينالوا المنصب المجزي، فيما يتعرض المترجم العربي مثلاً لشتى أنواع الاختبارات، وتطلب منه شهادات خبرة كثيرة قبل أن يفوز بمنصبه».
ولا يعرف أحد بالتحديد معايير التوظيف، لكن المؤكد أن الدول صاحبة النفوذ، وفي مقدمتها إسرائيل، تعمل جاهدة لتعيين أكبر عدد ممكن من مواطنيها في المواقع الحساسة والمناصب المجزية.