تمثّل بلاد المغرب الإسلامي ميداناً خصباً لنشاط تنظيم «القاعدة»، وتدعم فرنسا دول المنطقة لمحاربته؛ وبعدما بات يتنقّل عبر الحدود غير آبه بها، صارت قوات تلك الدول تجتاز حدودها لملاحقته
باريس ــ بسّام الطيارة
توقّعت مجموعات «القاعدة في المغرب الإسلامي» في مالي هجوماً من الشمال الجزائري، فجاءها من الغرب الموريتاني، لتقع في فخ «خدعة حرب» التي روّجت لها دول الساحل الأفريقي المحيطة بالصحراء الكبرى، عندما أعلنت «فتح حدود مالي أمام القوات الجزائرية» لملاحقة مرتكبي الهجمات الإرهابية. إلا أنه تبيّن أن الاستعدادات كانت قائمة على قدم وساق لمهاجمة التنظيم من موريتانيا بمساعدة من فرنسا.
فقد أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن باريس قدمت «دعماً تقنياً ولوجستياً» للعملية الموريتانية ضدّ تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، موضحةً أن تدخلها له علاقة بالفرنسي المخطوف في النيجر، ميشال جيرمانو، الذي تحتجزه «القاعدة» منذ نيسان.
من جهته، قال وزير الداخلية الموريتاني محمد ولد ابليل إن 6 من عناصر «القاعدة» قُتلوا خلال عملية للجيش خارج الأراضي الموريتانية، من دون أن يحدد أين، لكنّه لمّح إلى أن العملية جرت في مالي، مؤكداً تلقّي الدعم اللوجستي والتقني من فرنسا.
وكان بيان قد صدر عن وزارة الدفاع الفرنسية يشير إلى أن «المجموعة الإرهابية التي استهدفها الجيش الموريتاني هي تلك التي أعدمت الرهينة البريطاني قبل عام». وأضاف البيان أن هذه المجموعة هي التي تحتجز الرهينة الفرنسي، وأنها «ترفض بدء الحوار من أجل الإفراج عن مواطننا أو إعطاء أدلة بشأن بقائه على قيد الحياة».
إلا أن «الأخبار» حصلت على معلومات تؤكد أن منطلق العملية كان «محاولة للإفراج عن الرهينة الفرنسي في مالي». ورغم أن وزارة الدفاع الفرنسية وصفت الدعم العسكري بأنه يأتي في إطار «الدعم الذي تقدمه فرنسا إلى دول المنطقة التي تحارب الإرهاب»، فإن الموريتانيين توجهوا إلى الصحراء حيث كان من المفترض أن يكون الرهينة الفرنسي محتجزاً هناك، استناداً إلى معلومات أحد الوسطاء الذي كان يفاوض الخاطفين.
ويبدو أن الفرنسيين الموجودين بقوة في المنطقة قد تدخلوا أو دعموا التحرك الموريتاني، رغم أن الوسيط يشير الى أنه لا يملك المعلومات الكافية عن «مدى ضلوع القوات الفرنسية في العملية». وبالطبع، فإنه بغياب النتائج الملموسة مع فشل إطلاق سراح الرهينة، من الطبيعي أن تتكتّم باريس على مستوى تدخّلها.
وكانت المتحدثة المساعدة لوزارة الخارجية، كريستين فاجيس، قد صرّحت قبل يوم بأن «فرنسا تعمل من أجل تحرير مواطن فرنسي اختطف في النيجر مع اقتراب انتهاء المهلة التي أعلنها جناح تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا لقتله»، من دون تحديد نوع الخطوات.
وكانت إشارات القلق ظاهرة في باريس لغياب أي مطالب للخاطفين، وذلك على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها لـ«إقامة قناة اتصال مع الخاطفين»، حسب تصريح المتحدث الرسمي في الكي دورسيه، برنار فاليرو.
ومن المعروف أن مهلة الـ١٥ يوماً التي منحها تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي لفرنسا من أجل ترتيب عملية تبادل سجناء تنتهي بعد ثلاثة أيام. وحمّل التنظيم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مسؤولية حياة جيرمانو.
ويؤدي كلّ من الزعيم الليبي معمر القذافي، ورئيس بوركينا فاسو بليز كومباور، دوراً في المفاوضات الجارية لإطلاق سراح الرهينة الفرنسي. إلا أن دول المنطقة تدرك أن التهديد الإرهابي يشمل الجميع دون استثناء.
صحيح أن أي مصدر لم يؤكد توغّل الجيش الموريتاني في مالي، لكنّ سلطات باماكو كانت قد صرّحت، مطلع الشهر، بأنها أجازت للقوات الجزائرية «ملاحقة فلول الإرهابيين عبر حدودها» إذا لزم الأمر. وفيما يرى البعض أن هذا الإعلام كان «خدعة حربية» منسّقة بين دول المنطقة لدفع مجموعات «القاعدة» إلى الاتجاه غرباً، يرى آخرون أن مجمل بلاد الساحل باتت تمثّل «هلالاً إرهابياً» لا يقتصر فقط على «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وأن مالي مثلها مثل الدول الأخرى المطلة على الصحراء باتت تمثّل «جبهة موحّدة وفي الوقت نفسه ساحة معركة واحدة»، وبالتالي فإن الحدود باتت بلا قيمة في قتال من لا يأخذ في الاعتبار وجود هذه الحدود.