باريس ــ بسّام الطيارةبدأت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات عسكرية ضخمة أمس في تمرين قوى لردع كوريا الشمالية، التي توعدت بشن «حرب مقدسة» على الدولتين، ووصفت المناورات بأنّها «متهورة»، مهددة باستعمال «الردع النووي في أي وقت يكون فيه ضرورياً». وفي الوقت الذي بدأت فيه سفن البحرية الأميركية بالإبحار من موانئ كوريا جنوبية، حذرت بيونغ يانغ من أنّ التدريبات تدفع بشبه الجزيرة الكورية إلى شفير حرب.
ويأتي صدى التحركات الحربية بعد أزمة إغراق الفرقاطة الكورية الجنوبية تشيونان في آذار الماضي، وبعدما اتهم فريق من المحققين بقيادة عسكريين كوريين جنوبيين الشمال بإطلاق طوربيد سبب بالفاجعة، وهو ما تبناه مجلس الأمن ببيان رئاسي لم يشر مباشرة إلى مسؤولية كوريا الشمالية التي تنفي أي علاقة لها بحادث غرق السفينة. وقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عقب محادثات في سيول فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية تتضمن تجميد أصول لزعماء سياسيين. وجاء في بيان مشترك لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ونظيره الكوري الجنوبي كيم تي يونغ أنّ هدف المناورات «بعث رسالة لكوريا الشمالية مفادها أنّ سلوكها العدواني يجب أن يتوقف».
ورغم النبرة العالية التي واجه بها نظام كيم يونغ إيل المناورات، إلا أنّ ردة الفعل القوية جاءت من بكين التي انتقدت إدخال معدات عسكرية ضخمة إلى البحر الأصفر قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة الكورية. وحذر الجنرال ليو يوان، من الأكاديمية العسكرية الصينية، من المناورات بالتذكير بقول ماو تسي تونغ: «لن نسمح لأحد بأن يشخر قرب أسرّتنا»، في إشارة إلى أنّ المناورات تدور على مسافة أقل من ٥٠٠ كليومتر من العاصمة بكين.
وقد دفع ذلك إلى نقل الجانب الأكبر من التدريبات إلى مناطق قبالة الساحل الشرقي في بحر اليابان، بعدما أكد غيتس أنّ «المناورات في المياه الدولية يجب ألا تُعَدّ استفزازاً لأي كان». وقد انتقد عدد من الخبراء هذا التراجع الأميركي ورأوا فيه نوعاً من الاعتراف بـ«هيمنة حصرية للصين» على البحر غربي شبه الجزيرة الكورية.
وفي حركة تثبيت لهذا المكتسب الاستراتيجي، بادرت الصين لإجراء مناورات في البحر الأصفر الذي تعده «متنفسها الطبيعي نحو العالم» حيث تمر ٩٠ في المئة من صادراتها. ويتحدث الخبراء عن عدد من «المناوشات» التي قادت إلى احتكاك البحرية الصينية الصاعدة بالأسطول السابع الأميركي، وكذلك الأمر مع اليابان حليفة واشنطن والمنافس الطبيعي للصين في المنطقة. ويضاف إلى ذلك النزاعات الصامتة على المناطق المتنازع عليها والغنية بالغاز في غرب الأرخبيل الياباني.
ومن هنا، يبدو أنّ كوريا الشمالية تحاول «ضبط إيقاع سياستها» على تطور الاستراتيجية الصينية التي تسعى إلى تثبيت رقعة نفوذها في محيطها المائي المباشر. وقد نجحت عبر «سياسة شفير الهاوية» بجعل الحلفاء الاقتصاديين في مواجهة غير معلنة يمكن أن تنعكس مع الوقت على مستوى العلاقات السياسية التي تربطهم. كذلك يبرز هنا تفسير للدور الذي تؤديه بكين في «حماية» نظام كوريا الشمالية رغم التناقض الكبير مع توجهاته التي عفا عليها الزمن في الصين الجديدة. ويمكن اختصار سياسة بكين التي أنقذت بيونغ يانغ من إدانة في مجلس الأمن بأنّها تسعى من جهة إلى منع توحيد كوريا، وهي سياسة ثابتة تاريخياً. وكذلك فإنّها تستطيع من جهة أخرى، عبر شعار حماية كوريا الشمالية، تحسين وضعها الاستراتيجي العسكري في كل أزمة بين الكوريتين.