يوم الأحد، يقرّر عسكر تركيا كيف سيخوض معركته ضدّ المدنيين. تجتمع قيادتهم لاختيار عشق كوشانر خلفاً لإلكر باسبوغ، ولتقرّر إن كانت ستترك ضباطها المتهمين بمحاولة الانقلاب لمصيرهم القضائي، أو ستحميهم مجدداً
أرنست خوري
يترقّب الأتراك والمتابعون للشؤون السياسية لبلادهم، يوم الأحد المقبل ليكوّنوا فكرة عما ينتظر الأحوال الداخلية من تطورات، تحديداً على محور دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. فيوم الأحد، ستبدأ الأعمال السنوية للمجلس العسكري الأعلى، المؤسسة الفائقة الصلاحيات والنفوذ، والتي تتمثل فيها جميع قطع جيش المليون جندي. اجتماع يكتسب في نسخته لهذا العام نقاطاً عديدة تجعل منه المؤتمر الأهم في السنوات الماضية، ومن بين الأهم في تاريخ تركيا ومؤسستها العسكرية. أول ما يميّز هذه النسخة من اجتماعات المجلس العسكري الأعلى، التي سيحضرها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ووزير دفاعه وجدي غونول، أنه سيتخلّله تعيين القائد الحالي للقوات البرية، الجنرال عشق كوشانر، في مركز رئاسة الأركان مكان الجنرال إلكر باسبوغ الذي تخطّى سنّ التقاعد. ورغم أهمية هذا التعيين، فإنه يبقى هامشياً نظراً إلى أنّ المؤتمر سيحدّد طريقة تعاطي الجيش مع الحدث الأكبر الذي يواجهه منذ تأسيس الجمهورية، ألا وهو صدور مذكرة توقيف، للمرة الأولى، بحق عدد كبير من الجنرالات الحاليين والسابقين بتهمة المخطط الانقلابي الشهير الذي جرى الإعداد له عام 2003 تحت اسم «خطة المطرقة الأمنية».
فمذكرة التوقيف تعني أنّ 28 جنرالاً وضابطاً رفيع المستوى (3 منهم فقط متقاعدون والبقية لا يزالون في الخدمة) سيخضعون للمحاكمة، وعدد كبير من هؤلاء من أكبر المرشحين للترقية. وترقية الضباط هي من أبرز مهمات المؤتمر السنوي لـ«المجلس العسكري الأعلى»، وهنا تكمن حساسية الاجتماع الذي تبدأ أعماله في مطلع شهر آب من كل عام.
الاجتماع السنوي للمجلس العسكري الأعلى سيعيّن عشق كوشانر رئيساً للأركان
ومنذ صدور مذكرة التوقيف بحق 102 متهم بـ«خطة المطرقة»، يوم الجمعة الماضي، امتلأت صفحات الجرائد التركية بتوقعات وتحليلات حول ما إذا كانت القيادة العسكرية ستتحدّى القانون عن طريق توقيع ترقيات للموقوفين من صفوفها، أو ستحترم المادة 65 من القانون العسكري الذي يمنع ترقية أشخاص يخضعون للمحاكمة، وهو ما سيعني، إن حصل، خضوع الجيش لمنطق المؤسسات، وهو ما لم يفعله دائماً.
والتحدي الأكبر هو ذاك الذي يواجهه الرئيس الجديد للأركان، عشق كوشانر؛ فأي قرار يصدر في الاجتماع يتعلق بهؤلاء الضباط الـ28، وأي بيان يتحدث عن قضيتهم من بعيد أو قريب، سيعطي فكرة عن النوايا السياسية لكوشانر من ناحية كيفية إدارة العلاقة بين مؤسسته العملاقة والسياسيين المدنيين الأتراك في التوقيت الذي يجمع العالم فيه على أنه الأكثر حساسية بالنسبة لما بقي من سمعة الجيش التركي.
وكان باسبوغ قد خطا خطوة تعدّدت تفسيراتها، عندما زار أردوغان فجأة، ليل الأحد الماضي، حيث ناقش مع مضيفه لساعة من الزمن، موضوعين محوريَّين: مذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة اسطنبول بحق الضباط، ومشروع أردوغان الجديد القاضي بإلغاء المادة 35 من القانون العسكري المعروف بـ«قانون الخدمة الداخلية»، الذي يتيح، بموجب عدد من الشروط، تدخلاً عسكرياً في الشؤون الداخلية «لحماية الجمهورية».
ورجّح كتّاب صحافيون في عدد من الصحف أن يكون الرجلان قد اتفقا على آلية التعاطي مع الموضوعين، وخصوصاً في ما يتعلق بمؤتمر المجلس العسكري الأعلى ومقرراته.
وأشار بعض التسريبات إلى وجود نوايا لإبطال قرارات التوقيف بحق الضباط، وذلك من خلال الشروع بتطبيق عدد من السيناريوهات بما أنّه لم يوقف كل الضباط المعنيين بهذه المذكرة بعد. وبحسب ما سُرّب عن هذا الموضوع، فإنّ هؤلاء الضباط يعوّلون على كسب الوقت للحؤول دون توقيفهم قبل يوم الأحد، موعد المؤتمر العسكري، على قاعدة أنّ مَن لا يتم توقيفه قبل الأحد سينال دعماً من المؤتمر يحول لاحقاً دون اعتقاله أو توقيفه. ومن أساليب كسب الوقت، أدخل عدد من هؤلاء الضباط إلى المستشفيات لإجراء عمليات جراحية، في اليومين الماضيين. كذلك تقدم عدد آخر منهم بطلبات نقض لمذكرة التوقيف تأخذ في العادة وقتاً قبل بتّها. أما آخر الحلول المتاحة أمام العسكر للحد من الخسارة، فهو التوصل إلى تسوية مع القيادة السياسية في أنقرة تنص على «التضحية» بعدد من الضباط في مقابل إقفال ملفات آخرين.