استقالة رئيس الحكومة هدفت لتعزيز وضع الحزب الديموقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ بسّام الطيارة
في أقل من أربع سنوات «استهلكت» اليابان أربعة رؤساء وزراء: شينزو أبه وياسوو فوكودا وتارو أسو، وها هو يوكيو هاتوياما يستقيل بعد ثمانية أشهر في الحكم الذي وصل إليه بعد «انتصار تاريخي» بفوز الحزب الديموقراطي بثلثي مقاعد مجلس النواب، متعهداً تغيير طريقة الحكم وجعل السياسة في خدمة الشعب وإعادة التوازن للعلاقات مع الولايات المتحدة.
وكان يوكيو قد بدأ فترة حكمه بشعبية تفوق ٧٠ في المئة، ما لبثت أن تراجعت بقوة في استطلاعات الرأي لأسباب عديدة، أهمها تقلب آرائه وتردده في اتخاذ القرارات.
وقد جاءت «الطعنة» من حليفه في التحالف الحكومي، الحزب الاشتراكي الديموقراطي، الذي انسحب من التحالف والتحق بالمعارضة بسبب عدم وفاء رئيس الوزراء بوعده بنقل قاعدة «فوتينما» الجوية الأميركية في جزيرة أوكيناوا، كما يطالب أهالي المنطقة منذ سنوات بسبب «الإزعاج» الذي يسببه جنود القاعدة وحوادث الاعتداء والاغتصاب التي ارتكبها عدد منهم.
وقد أدى تراجعه عن هذا الوعد، تحت ضغط الولايات المتحدة، إلى انفراط التحالف الثلاثي لوسط اليسار. وبرر هاتوياما تراجعه بقوله: «إن التعاون بين اليابان والولايات المتحدة لا مناص منه من أجل السلام والأمن في شرق آسيا». وتابع آسفاً أنه «كان مضطراً لطلب من سكان أوكيناوا تحمل العبء».
وزير المال المحافظ ناووتو كان أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة اليابانية
لكن مسألة القاعدة ليست السبب الوحيد الذي دفع هاتوياما إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة والحزب، إذ سيبتعد أيضاً عن الحكم الأمين العام للحزب الديموقراطي إيتشيرو أوزاوا، وهو «الرجل القوي خلف الستار»، في محاولة لتعزيز فرص الحزب المتعثرة في انتخابات مجلس الشيوخ في الشهر المقبل.
وعلى الرغم من أن الخسارة في الانتخابات، في حال حصولها، لن تسقط الحكومة التي يقودها الحزب الديموقراطي الذي يملك أكثرية مطلقة في مجلس النواب، إلا أن الحكومة تحتاج إلى غالبية لمنع عرقلة القوانين وتكملة حزمة الإصلاحات التي تعهد الحزب إجراءها.
وأبلغ هاتوياما النواب من أعضاء حزبه، وقد غلبته الدموع، إنه وأوزاوا سيستقيلان، مبرراً ذلك بضرورة «إعادة الحيوية للحزب وجعله حزباً ديموقراطياً نظيفاً على نحو شامل». وطلب معاونتهم للحصول على ثقة الشعب، في إشارة إلى الاتهامات التي وجهت إلى اثنين من معاونيه بإجراء «تحويلات سرية لأموال داخل التشكيلات السياسية»، رغم أن القضاء خلص إلى أن هاتومايا لم يكن على علم بهذه التحويلات.
وسيُختار زعيم جديد للحزب الديموقراطي الياباني يوم الجمعة قبل التصويت في البرلمان على اسم الرئيس الجديد، الذي يتسلم تلقائياً منصب رئيس الوزراء، على الأرجح في اليوم ذاته.
ومن المرجح تأليف حكومة جديدة يوم الاثنين بأسرع وقت. ومن بين المرشحين المحتملين للخلافة وزير المال المحافظ ناووتو كان (٦٤ عاماً) ووزير الخارجية كاتسويا أوكادا (٥٦ عاماً) ووزير النقل سايجي مايهارا (٤٨ عاماً).
ومن المتوقع أن تؤخر هذه «الهزة السياسية» الجهود الرامية إلى وضع الخطط المتوقعة هذا الشهر لخفض العجز العام في البلاد، الذي يبلغ نحو ٢٠٠ في المئة من إجمالي الناتج المحلي وإتمام استراتيجية لتحقيق نمو في مجتمع تباطأ نموه بسبب ارتفاع عدد كبار السن المتقاعدين في ظل تزايد بطالة الشباب.
إلا أن وصول وزير المال إلى سدة الحكم، كما يتوقع كثيرون، قد يزيد فرص اتخاذ خطوات أكثر جرأة لكبح جماح الديون إلى جانب زيادة ضريبة المبيعات بنسبة خمسة في المئة.
في أقل من أربع سنوات «استهلكت» اليابان أربعة رؤساء وزراء
عند تقديم استقالته، قال هاتوياما «إن الشعب لم يفهم جيداً عمل الحكومة، وقد فقدنا اهتمامه»، في إشارة إلى شعبيته التي تراجعت إلى ٢٠ في المئة في تسعة أشهر، وهو رقم قياسي لم يبلغه أي رئيس وزراء سابق. إلا أن الرئيس الجديد الذي سيتبوأ المنصب، أياً كان، عليه «العودة إلى مربع القاعدة الأميركية» فوتينما الموجودة في وسط عاصمة أوكيناوا، إذ إن مطلب نقلها موجود على أجندة الحكومات المتعاقبة منذ مطلع الثمانينيات، ويشارك بطرحه عدد كبير من اليابانيين إلى جانب أهالي جزر أوكيناوا (٢٠٠٠ كيلومتر غربيّ طوكيو)، حيث القسم الأكبر من الجنود الأميركيين (٤٧ ألف جندي بموجب معاهدة دفاع بين البلدين).
وتشير هذه المسألة، إضافة إلى ضيق ذرع السكان بتصرف الجنود الأميركيين، إلى تأزم العلاقة بين البلدين بسبب انعدام التوازن في المصالح، والذي سلط عليه ضوء ارتفاع مستوى العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين العملاق الجديد في المنطقة. ومن العقد التي تعترض هذه العلاقات التوتر الذي تشهده شبه الجزيرة الكورية، ما يزيد من حجة «ضرورة الإبقاء على القواعد الأميركية لحماية الأرخبيل الياباني». إلا أن المعترضين على إبقاء القواعد يقدمون حججاً قوية ويشيرون إلى أن «القوات الأميركية في أوكيناوا تتوجه مباشرة إلى أفغانستان والعراق»، ولا تساهم في حماية اليابان التي باتت تمتلك جيشاً قوياً ولا ينقصها إلا «المظلة النووية»، وهو ما لا تقدمه القواعد في أوكيناوا، إذ تحظر المعاهدات التي تربط البلدين وجود أسلحة النووية على الأراضي اليابانية.


تراجع الين، أمس، بعد استقالة رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما. وسجل أدنى مستوى له في أسبوعين أمام الدولار.
وأثرت الهزة السياسيّة أيضاً على سوق التعاملات، إذ هبطت الأسهم اليابانية في التعاملات المبكرة في بورصة طوكيو مع تراجع أسهم شركات التصدير مثل «سوني كورب»، مع استمرار المخاوف من أن تضر أزمة ديون منطقة اليورو بقطاعها المصرفي وتضعف الانتعاش الاقتصادي العالمي.