الأزمة الماليّة العالمية لم تنته. خلال العامين الماضيين كانت في حال من التخدير أو السبات الذي يبدو أن مفعوله انتهى، لتدخل في مرحلة قد تكون أشد خطورة
نيويورك ــ نزار عبود
يتّجه العالم إلى أسبوع حافل بالأزمات، جميعها لن تجد حلولاً في الأجل المنظور. لكن ربما أكثر ما يشغل قادة الكتل السياسية الرئيسية في العالم هو تفاقم الأزمة المالية إلى حدّ ينذر بتحولات نوعية، من شأنها أن تؤثر سلباً على معيشة معظم سكان هذا الكوكب.
الولايات المتحدة تخطت في مديونيتها حاجز الـ13 تريليون دولار (يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي الأميركي)، بينما يشق رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما طريقه في نفق الأزمة المالية الملتهب بزيادة المديونية علّها تبقي دوران عجلة قاطرة الاقتصاد. لكن نجاحه المحدود يبقى مهدداً بالتبدد إذا لم تقلع عجلة النمو إقلاعاً ذاتياً قابلاً للاستمرار.

هنغاريا، لا اليونان هذه المرة، هي السبب في مضاعفة مشاكل اليورو
رغم كل الإنفاق المالي العام بالاقتراض المفرط، جاءت أرقام العمالة الأميركية مخيبة للآمال (أدنى بـ 106 آلاف وظيفة عن المنتظر)، وسببت صدمة كبيرة لأسواق المال حول العالم. وما زاد الطين بلّة أن أوروبا بدت عاجزة عن السيطرة على أزمة اليورو وتفرعاتها من أزمة الديون السيادية المستفحلة، واتجهت إلى الاستسلام لقدرها.
في أوروبا تُعالَج الأزمة، بعكس الولايات المتحدة، بتقليص المديونية والعجز في الموازنات والتخلي عن سياسة دعم العملة الأوروبية الموحدة. أمر له انعكاساته السيئة على حركة النمو الاقتصادي العالمي ككل، ويمكن أن يقوض الجهود الاقتصادية الأميركية، فضلاً عن الآثار المحلية الاجتماعية السلبية في أكبر كتلة اقتصادية في العالم. فالتباطؤ الاقتصادي الأوروبي يؤثر على مساعي الولايات المتحدة للحد من آثار الركود بزيادة الإنفاق، ويقلص واردات أوروبا من السلع من جميع المصادر. كذلك فإنه يرتد حتى على الاقتصادات الآسيوية، وفي مقدمتها الصينية واليابانية التي كانت تتمتع بسوق ذات قدرة شرائية عالية حين كان اليورو سيّد العملات حتى مطلع العام الحالي.
لكن اليورو يفقد مكانته بسرعة كبيرة ويهدد بتداعيات خطيرة على المراكز المالية العالمية، التي شهدت إحدى كبرى حالات التدهور يوم الجمعة الماضي، حين هوى مؤشر داو جونز في نيويورك 325 نقطة (3.16 في المئة). وانخفضت قيمة العملة الأوروبية الموحدة إلى ما دون 1.20 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى تصله منذ عام 2006.
والأسباب تعود إلى بيانات العمالة الأميركية من جهة وأزمة الديون السيادية الأوروبية من جهة ثانية. وكانت هنغاريا، لا اليونان، هذه المرة السبب في مضاعفة مشاكل اليورو. إذ انخفضت قيمة الفورينت بنسبة 4 في المئة دفعة واحدة، وسط مخاوف من إفلاس البلاد وحاجتها الملحّة إلى قروض ضخمة فوق تلك التي حصلت عليها عام 2008 وكانت قيمتها 24 مليار دولار.
وفي دائرة اليورو أيضاً، ارتفعت الفائدة على قروض الحكومة الإسبانية إلى 295.5 نقطة أساس، فيما قفز التأمين عليها 26 نقطة (أي 0.26 من واحد في المئة) لتصل إلى 364.8. وقفز التأمين على القروض الإيطالية بواقع 30 نقطة، لتصل إلى 264.
ضمن هذه الصورة الاقتصادية العالمية المشتتة، تضاعفت المخاوف من أن الأزمة المالية العالمية، التي تفجرت في أواخر عام 2008، إنما تلقت خلال العامين الأخيرين جرعات أدوية مسكّنة ولم تتلقّ

آثرت مجموعة الـ 20 إرجاء اتخاذ أي قرار بشأن إلزام المصارف بزيادة رساميلها

علاجات شافية. ويخشى أنه مع انتهاء مفعول المسكنات أن يعود الألم أشد ممّا كان عليه في مطلع الأزمة. ذلك أن عدم تعافي الاقتصادات الكبرى بما يضمن تصحيح موازين مدفوعات الدول وإيراداتها، من شأنه أن يوقع المزيد من الإفلاسات الكبرى، ولا سيما في القطاع المصرفي. وإذا كانت المسائل لا تزال في إطار التوقعات بالنسبة إلى الوضع المصرفي الأوروبي، فإن قيمة أسهم المصارف المتدهورة عبّرت بشدة عن مخاوف المستثمرين على هذا الصعيد، فيما يعيد غالبية المستثمرين، وحتى الكثير من حكومات الدول، النظر في احتفاظهم بأرصدة بالعملية الأوروبية الموحدة بعد تآكل قيمتها بنحو قارب 10 في المئة منذ مطلع السنة فقط. وتشهد أسواق المال اضطرابات حادة في انتقال الثروات من عملة لأخرى. أمر وصفه أحد خبراء البورصة في نيويورك بأن المستثمرين يهرولون بين العملات «كالفراخ المقطوعة الرؤوس».
صناديق مالية كبرى تلجأ إلى تبديل مراكزها المالية بعيداً عن اليورو المهدد بالتفكك، متكبدة خسائر فادحة ضمن تدافعها للخروج السريع من موقع الحريق النقدي.
لذا آثر وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو بنوكها المركزية، الذين اجتمعوا في بوسان في كوريا الجنوبية أول من أمس، إرجاء اتخاذ أي قرار بشأن إلزام المصارف بزيادة نوعية رساميلها وكميتها تحسباً لمفاقمة تداعيات الأزمة المالية الراهنة. فالمسؤولون الأوروبيون حذروا من أن أي تسرع على هذا الصعيد يهدد بزيادة أزمة تباطؤ النمو الاقتصادي.