قرضاي يتوهّم إنهاء حرب متعادلة من طرف واحدشهيرة سلّوم
بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فاز حميد قرضاي بولاية ثانية بطريقة مريبة. الانتخابات كانت فتيلاً أشعل غضب جبهة التحالف، بقيادة واشنطن، على قرضاي. تصرفاته على مرّ سنين الحرب لم تكن مرضية. صحيح أنه كان «الجرو» المفضّل لواشنطن، لكن تعاونه كان يجري وفق مصالحه الخاصة، وعلاقاته مع «طالبان» وتجارة المخدّرات لم تراعِ معايير الحرب الأطلسية.
من رحم هذه الأجواء وُلد مشروع «جيرغا للسلام». الأجواء الدولية والمحلية كانت مهيّأة، إذ تولّدت نقمة محلية على «طالبان» وقوات التحالف على حدٍّ سواء، خلقت رغبة جامحة لإنهاء الحرب. وأشدّها كانت الرغبة الدولية للخروج من المستنقع الأفغاني، ولا سيما لدى بريطانيا والولايات المتحدة.
قال قرضاي في مؤتمر لندن للمانحين إنه سيعقد مجلساً استشارياً واسعاً يحمل اسم «جيرغا السلام»، لجمع زعماء القبائل والمسؤولين والقوى المحلية من كل البلاد، لبحث السلام وإنهاء التمرّد. فماذا تعني «جيرغا»؟ هي كلمة بشتونية تعني مجلساً أو اجتماعاً كبيراً. هو جزء من التقليدين الأفغاني والباكستاني لحل النزاعات بين القبائل ومناقشة المشاكل الوطنية.
واستعداداً للجيرغا، أُطلقت عجلات العمل لاستقطاب المسلّحين. وخلال الاحتفال بعيد رأس السنة الفارسية «نيروز»، أعلن نائب الرئيس محمد قاسم فهيم، في مزار الشريف (شمال)، أن مؤتمر «جيرغا» سيضع أسس السلام. ودعا الجميع إلى المشاركة. لم يذكر «طالبان» بالاسم، لكنّه تحدث عن المسلّحين الأفغان الذين «تسعى حكومة قرضاي إلى دمجهم وإسعادهم».
مفاوضات على مدى شهور، في السرّ والعلن، تحدّث البعض عن يد أميركية خفية، لدفع زعماء التمرد إلى المشاركة، من دون أن توجّه دعوة رسمية إليهم. وقال الحزب الإسلامي، بقيادة أمير الحرب قلب الدين حكمتيار، إنّ وفداً من 5 أشخاص ذهب إلى كابول، وإنه كانت هناك خطط للقاء زعماء آخرين من «طالبان». وحمل وفد حكمتيار خطة من 15 بنداً تشمل انسحاب القوات الأجنبية بحلول تموز 2010، أي قبل عام من الموعد الذي يخطّط له باراك أوباما. وتطالب باستبدال البرلمان الأفغاني الحالي بحلول كانون الأول 2010 بحكومة انتقالية لإجراء انتخابات محلية ووطنية في غضون عام، إضافةً إلى إقرار دستور جديد.
ورغم الأجواء الإيجابية التي روّجها حكمتيار ودعواته التفاوضية منذ كانون الثاني، فإن حركة التمرد لم تشارك في «جيرغا» (المجموعات الأساسية الثلاث: طالبان والحزب الإسلامي وجماعة حقاني)، وكرّرت موقفها «لا تفاوض من دون انسحاب مسبّق وغير مشروط». وهو ما عنى حكماً فشل الاجتماع قبل انطلاقه، ما دام الطرف الأساسي لصناعة السلام غائب.
وإضافةً إلى غياب المجموعات المتمردة، قالت الجبهة الوطنية المعارضة بزعامة عبد الله عبد الله إنها أُبعدت عمداً عن لائحة المدعوين. كما هدد 45 نائباً لهم مطالب توزيرية (من أصل 249 في المجلس) بمقاطعة المؤتمر.
وبعد تأجيل مرتين، عُقد المؤتمر، ووصل أكثر من 1600 مندوب عن الإثنيات والقبائل ومختلف السلطات والقوى المحلية والمدنية إلى كابول من أجل «جيرغا الاستشاري والوطني للسلام».
«طالبان» لم تقاطع الاجتماع فحسب، بل توعدت باستهدافه ونفّذت. ورغم الإجراءات الأمنية المعزّزة، هاجم عناصرها افتتاح «جيرغا» بالرصاص والصواريخ والانتحاريّين، وقوطع خطاب قرضاي بالانفجارات.
لكنّ الاجتماع تواصل على مدى ثلاثة أيام، ودعا قرضاي عناصر «طالبان» إلى إلقاء السلاح، حتى إنه دعاهم بـ «أعزائي» و «إخوتي»، لكنه قال إنّ «أولئك المرتبطين بالقاعدة لا مكان لهم».
وجرت خلال الاجتماع مناقشة خطة الحكومة الأفغانية لإدماج المسلحين، التي تتضمّن حوافز اقتصادية، ومنح عفو، والتفاوض لإسقاط طالبانيّين عن اللائحة السوداء للأمم المتحدة، وإطلاق سراح بعض المعتقلين لدى السلطات الأميركية.
وفي أول خطوة عملية لتعزيز مفاعيل «جيرغا»، أمر قرضاي بمراجعة كل قضايا معتقلي «طالبان» في السجون الأفغانية، وإطلاق سراح أولئك الذين اعتُقلوا لأسباب مشكوك فيها. وبالنسبة إلى معتقل غوانتنامو، أمر قرضاي بتأليف وفد رسمي لدراسة وضع المعتقلين الأفغان.
ولـ«جيرغا السلام» تجارب مماثلة منذ إسقاط نظام «طالبان». سبق أن عُقد «جيرغا» لتعيين قرضاي رئيساً انتقاليا، وعُقد مؤتمر ثانٍ في 2004 للموافقة على الدستور الجديد، وثالث في 2007/2008. أمّا «جيرغا» الرابع فقد هدف إلى فتح صفحة جديدة من التاريخ السياسي، بعدما أثبتت 9 سنوات من الحرب أن لا مجال لإلغاء أيّ طرف، وأنّ السلام لن يكون إلا بالمشاركة. هذا ما أدركه قرضاي فأراد تحقيق مكاسب في ظل التغيّرات الدولية الجديدة، حيث حمل هذا المشروع مقدّما نفسه على أنه رجل وطني قادر على أن يحكم في السلام كما الحرب. لكنه سلام يستحيل أن يُصنع بغياب الطرف الأساسي في الحرب.