أرنست خوريتحول التطورات الدبلوماسية، التي تحتلّ تركيا موقعاً مركزياً فيها منذ جريمة «أسطول الحرية»، دون تسليط الأضواء كما يجب على ما يحصل داخل هذا البلد، باستثناء الأخبار اليومية عن سقوط قتلى الجيش بعمليات حزب «العمال الكردستاني» التي لا تزال تتصدّر عناوين الصحف ووكالات الأنباء.
لكنّ الواقع يفيد بأنّ نيّات رجب طيب أردوغان في تولّي رئاسة الجمهورية التركية عام 2012 أو 2014، لم تعد أمراً سرّياً أو مجرد تحليلات صحافية. فقد بات طموحه شرعياً وفق القانون. وكان اليومان الماضيان مفصليين من حيث الصراع الداخلي على السلطة، في ظل إمرار قوانين انتخابية «تمهّد الطريق لوصول أردوغان إلى قصر شنقايا»، في موازاة استعدادات ضمنية لحزبه «العدالة والتنمية» لمواجهة احتمال خوض انتخابات تشريعية مبكرة في الخريف المقبل، إذا حصل «طارئ كبير»، من نوع إلغاء المحكمة الدستورية رزمة التعديلات الدستورية التي أقرّها البرلمان، والتي يجدر أن تُعرَض على استفتاء شعبي في أيلول المقبل.
ومن دون ضجة كبيرة، أقرّ البرلمان، الخميس الماضي، قانوناً انتخابياً ينظّم عملية انتخاب رئيس الجمهورية وفق التعديل الدستوري الذي سبق أن أقرّه النواب في 2007، بحيث يصبح انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة (لا من النواب)، لولاية من 5 سنوات قابلة للتجديد (حالياً الولاية الرئاسية 7 سنوات). والجديد الفعلي في القانون الجديد، هو أنّه يسمح للنواب وللوزراء ولرئيس الوزراء بأن يخوضوا الاستحقاق الرئاسي من دون أن يضطروا إلى الاستقالة من مناصبهم، عكس القضاة وضباط الجيش والموظفين الحكوميين ورؤساء البلديات الذين يجدر بهم الاستقالة من مناصبهم قبل تقديم ترشيحاتهم لرئاسة الجمهورية.
ونظراً إلى التصريحات السابقة لأردوغان، التي كشف فيها عن نية حزبه تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي إذا فاز في انتخابات عام 2011، فإنّ إمرار قانون الخميس الماضي وُضع في خانة تمهيد أردوغان الطريق أمام تسلّم رئاسة الجمهورية، وخصوصاً أنه سبق له أن أعلن أنّ الانتخابات النيابية لعام 2011 ستكون الأخيرة له. وبحسب صحيفة «حرييت»، فإنّ أردوغان سيترشح للرئاسة فقط إن ضمن المنصب، أي إذا نال حزبه نسبة تفوق 30 في المئة في انتخابات 2011. وعلى ضوء التعديلين، الدستوري عام 2007، والقانوني يوم الخميس الماضي، لا يزال مجهولاً ما إذا كانت ولاية الرئيس الحالي عبد الله غول ستنتهي في 2012 (أي بعد 5 سنوات من انتخابه عام 2007)، أو عام 2014 (بعدما يكون قد قضى 7 سنوات في الحكم بموجب القانون القديم). ويُتوقَّع أن يبتّ «المجلس الأعلى للانتخابات» الموضوع. كذلك يفتح احتمال تولّي أردوغان رئاسة الجمهورية معركة رئاسة «العدالة والتنمية»، مع ترجيح أن يتسلّم غول هذا المنصب.
في هذا الوقت، كشفت مصادر الحزب الحاكم لصحيفة «توداي زمان» أنّ قيادته تستعدّ «ضمنياً» لاحتمال خوض انتخابات تشريعية مبكرة في الخريف المقبل، بما أنّ الاحتمالات كبيرة أن تنقض المحكمة الدستورية رزمة التعديلات الدستورية التي أقرّها البرلمان. ووفق أوزر سنكار، رئيس مؤسسة «ميتروبول» لاستطلاعات الرأي، فإنّ حكومة أردوغان لا تدعو منذ الآن إلى انتخابات مبكرة، لأنّ شعبية حزب المعارضة الأكبر، «الشعب الجمهوري»، ترتفع منذ مدّة، حتى إنها وصلت اليوم إلى 30 في المئة تقريباً، في مقابل 37 إلى 38 في المئة لـ«العدالة والتنمية»، بحسب استطلاعات الرأي. وبالتالي، فإنّه لا مصلحة للحزب الحاكم في خوض انتخابات في عزّ صعود شعبية منافسه، رغم أنّ هذا الصعود في شعبية «الشعب الجمهوري» لا يأتي على حساب حزب أردوغان، بل على حساب الأحزاب المعارضة الأخرى، كـ«الحركة القومية» و«اليسار الديموقراطي» و«الحزب الديموقراطي».
وهنا تفصيل مهم؛ يدخل البرلمان في إجازته السنوية في مطلع تموز المقبل، بينما تصدر المحكمة الدستورية حكمها بشأن التعديل الدستوري في السابع من تموز. وبما أنّه لا يمكن الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة إذا كان البرلمان في إجازة، فإنّ حكومة أردوغان تفكّر في تمديد إبقاء أبواب البرلمان مفتوحة حتى 15 تموز، حتى تتمكن من الدعوة إلى انتخابات مبكرة بعد السابع من ذلك الشهر، إذا ألغت المحكمة التعديلات الدستورية، بما أنّ هذا الإلغاء سينتج تأييداً كبيراً لحزب أردوغان في أوساط الناخبين، مع ترجيح أن يكون موعد الانتخابات في 7 أو 13 تشرين الثاني. ووفق المعلومات الصحافية، فإنّ الحكومة والحزب الحاكم من خلفها سيدعوان إلى انتخابات مبكرة، حتى ولو أُلغي بند واحد فقط من رزمة التعديلات الدستورية. وقدّم مقرر المحكمة الدستورية، عثمان كان، خدمة كبيرة للحزب الحاكم، عندما رأى أنّ إلغاء المحكمة للتعديلات سيكون بمثابة «انقلاب على الدستور»، داعياً الحكومة إلى عرض المشروع على الاستفتاء الشعبي «حتى ولو تعرّض لنقض المحكمة».