شهد حي بلفيل الشعبي شمال العاصمة الفرنسية تظاهرة حاشدة منددة بالعنف اللاحق بالجالية الصينية التي تقيم في المنطقة، فيما يشهد الحي توتراً بين سكانه العرب والآسيويين
باريس ــ بسّام الطيارة
تدفع فرنسا اليوم ثمن «حكّ الحساسية الطائفية» والتشديد على أصول المجموعات التي تكوّن المجتمع الفرنسي وردات فعلها. أفضل مثال هو ما تسرب من أقوال وشائعات عن أسباب تفكك فريق كرة القدم الوطني وتمزقه، وهو الذي كان حتى سنوات قليلة ماضية «مرآة الانصهار الفرنسي». لكن بسبب المزايدات على «مسؤولية الغرباء»، في إشارة إلى المهاجرين، وخصوصاً المسلمين، التي كان اليمين المتطرف أول من استعملها مع بداية تراجع الرخاء الاقتصادي، توسع الشرخ بين مختلف «الملل الإتنية» التي تكوّن شرائح المجتمع الفرنسي، وخصوصاً في المدن الكبرى والمتوسطة.
وشهد حيّ بلفيل (Belleville) في شمال العاصمة يوم الأحد مواجهات حامية بين الشرطة وتظاهرة حاشدة (٨٥٠٠ حسب الشرطة) رافقها تحطيم سيارات ومواجهات استمرت حتى الساعة العاشرة في الليل. حيّ بلفيل الشعبي كان حتى عشر سنوات خلت «حياً فرنسياً ـــــ عربياً ـــــ يهودياً» تفوح في شوارعه روائح المغرب العربي بالنسبة إلى من تركوا «البلاد» بعد الاستقلال وأعادوا «تركيب حياتهم» في باريس على نمط مغاربي محض، ونفحة نوستالجيا للفرنسيين الذين تركوا مع الاستعمار بلاداً أحبوها. لكن مع الوقت حصل تغيران تقاطعا في هذا الحي: من جهة، بدأ الذين تحسنت ظروف معيشتهم وارتفع مستوى حياتهم بالخروج من بلفيل. ومن جهة أخرى، بدأ عدد من المهاجرين الآسيويين، وخصوصاً صينيين، بالتدفق إلى الحي بسبب تواضع أسعار إيجار الشقق فيه وسهولة الحصول عليها «من دون عنصرية».
وسبّب الوقت وتراجع القوة الشرائية بقاء الفقراء والمهمشين من السكان السابقين في بلفيل إلى جانب الفقراء من السكان الوافدين، وهو ما كان يؤدي من حين لآخر إلى احتكاكات بسيطة بين «المجموعتين الاثنيتين».
يوم الأحد، وفي خضم الحديث عن مشاكل الانصهار بين أفراد الفريق الوطني، نزل الصينيون وعلى رأسهم «أنه داو تراكسيل» الابنة بالتبني للرئيس السابق جاك شيراك إلى الشوارع للاحتجاج على «العنف اليومي» من بعض «زقاقيّي الحيّ»، حسبما يقول أحد «الناطقين باسم الجالية الصينية» هونغ تان. وأشار هونغ إلى أنّ الصينيين (وهو تصنيف يشمل الفيتناميين والكامبوديين واللاوسيين) سينزلون إلى الشارع إذا لم تتحرك الشرطة لـ«تجفيف العنف الذي نتعرض له». وكشف عن عملية سلب تعرض لها الصينيون خلال حفل زواج قبل يومين. وعلمت «الأخبار» أنّه مباشرة بعد مهاجمة الحفل، عمد بعض الصينيين إلى «الانتقام»، وهو ما أكده هونغ عندما شدد على «عدم رغبة الجالية في الرد على العنف بالعنف»، معلناً تخوفه من «انفلات الوضع».
ويؤكد عدد من سكان الحيّ وجود «توتر بين الجالية العربية والجالية الصينية» تُضاف إلى ذلك حساسية تحوّل بعض السكان نحو «ممارسات دينية بارزة»، في إشارة إلى ازدياد عدد المحجبات والملتحين في الحيّ، بحسب قول ساكن صيني، بينما يقول أفراد الجالية المسلمة، وغالبيتهم من أصول مغاربية، إنّ الصينيين «متقوقعون على أنفسهم»، تواصلهم محصور في ما بينهم لا يتبضعون إلا من مخازنهم، «كذلك فإنّ أعدادهم تتكاثر».