في انتخابات هادئة تميّزت بمشاركة ضعيفة، أصبح خوان مانويل سانتوس الرئيس الرقم 70 لكولومبيا، بعدما فاز بسهولة على خصمه «الأخضر» أنتاناس موكوس

بول الأشقر
حصد المرشح للرئاسة الكولومبية خوان مانويل سانتوس (58 عاماً)، 9 ملايين صوت في انتخابات الأحد الماضي التي كانت نتيجتها محسومة سلفاً، محققاً بذلك حلم المراهق الذي أراد «دائماً أن يصبح رئيساً». وسانتوس هو ابن عائلة تقليدية من العاصمة بوغوتا، خرج منها سياسيون ورجال أعمال وصحافيون، وتملك صحيفة «التيمبو»، أشهر يومية كولومبية. والعدد القياسي للأصوات التي فاز بها ليس نتيجة «كاريزما» يتمتع بها ـــــ بما أنه يفتقر إليها ـــــ بل إلى ظروف حملة انتخابية جعلت منه المرشح «الأوريبي» الوحيد، فورث شعبية عرّابه الرئيس ألفارو أوريبي من دون أن يكون مرشحه المفضَّل.
ويعود أيضاً فضل الانتصار الكاسح إلى التخطيط المنهجي لسانتوس الذي بنى سيرته تدريجاً بما يخدم طموحه: يترك «الصحافي» سانتوس جريدته ليتحول إلى «سياسي» عندما «تقتضي ذلك مصلحة البلد». هكذا احتل ثلاث حقائب وزارية خلال ولايات آخر ثلاثة رؤساء: التجارة الخارجية مع الليبرالي سيزار غافيريا، والاقتصاد مع المحافظ أندريس باسترانا، والدفاع مع «الأوريبي» ألفارو أوريبي. وفي كل حقبة وحقيبة، يأتي سانتوس المولَع بلعبة «البوكر» ليؤدي «رهاناً كبيراً» و«مهمة مستحيلة»: يحيط نفسه بأحسن الكوادر، ويتقن تشغيلهم، ويؤدي المهمة ثمّ ينسحب كمن لا يريد شيئاً من ورائها. يضاف إلى هذا الذكاء «التجريبي»، شبكة علاقاته العائلية والاقتصادية والسياسية، وقدرة مميزة على الاستماع للآخرين والحسم عند الحاجة.
ليس سانتوس رجل قناعات دائمة، ولا يخشى تغييرها إذا كانت «مصلحة البلد تقتضي ذلك». فعندما كان مندوباً لشؤون السلام أيام الرئيس باسترانا «الليّن إزاء منظمة الفارك»، كان سانتوس أكثر ليونة واقترح إنشاء جبهة وطنية بين الحكومة والثوار من دون توفير المدائح لهؤلاء. في المقابل، عندما تسلّم وزارة الدفاع أيام «المتشدد» أوريبي، لبس البزة العسكرية وبدا أكثر تشدداً من أوريبي نفسه. أما في السباق إلى الرئاسة، فقد حاول بناء صورة مستقلة بألوانها وأفكارها عن أوريبي، وعندما بدأ يتراجع في استطلاعات الرأي، لم يتردّد في العودة إلى ألوان أوريبي وأفكاره.

لم يتردّد في تغيير مواقفه «عندما اقتضت مصلحة البلد ذلك» مع 3 رؤساء
وبسبب إشرافه على الغارة على معسكر «الفارك» في الإكوادور، العام الماضي، صار سانتوس «متشدداً» و«حربيّاً» و«مطلوباً» من القضاء الإكوادوري و«خطراً على السلام القاري»، حسب مصطلحات الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. لكن على عكس هذه الصورة، تبيّن بعد فترة أنّ سانتوس أخرج بلاده من عزلتها القارية حتى إنه «خلّص» باقي رؤساء أميركا الجنوبية من حضور أوريبي.
هل سانتوس قادر على طيّ صفحة أوريبي الذي «جعله» رئيساً؟ ملف الحرب له إيقاع خاص: أول من أمس، لم يعكر الانتخابات أي حدث، فيما ترك الصراع المسلَّح 17 قتيلاً من بينهم 11 من القوى النظامية. في ما بقي، دعا سانتوس إلى إقامة «حكومة وحدة وطنية»، علماً بأنه يتمتع بغالبية 75 في المئة من أعضاء الكونغرس: هذا الهامش الواسع قد يسمح له برد مطامع السياسيين ونخب بوغوتا والخروج من خيمة «الأوريبية»، من دون قطع العلاقات مع مسلّماتها. في المقابل، قد تتعكر العلاقة من طرف أوريبي إذا شعر هذا الأخير بضعف عند الرئيس الجديد للدفاع عنه إذا ما أدركته ملاحقات القضاء.