«نوينوي» يواجه تحديات كبرى أهمها محاسبة فساد أسلافهديما شريف
لا يجد العديد من الذين تنفسوا الصعداء بانتهاء حكم غلوريا ماكاباغال ارويو أي سبب للتفاؤل بالرئيس الجديد للفيليبين، بنينيو اكينو الثالث، الذي يتسلم منصبه اليوم. فهذا الأخير، مثل أرويو، سليل عائلة ارستقراطية تعمل في السياسة منذ عقود وتملك أراض شاسعة ومصالح في عالم الأعمال. ولا يصدق هؤلاء وعود الرئيس الجديد التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية بالقضاء على الفساد وعدم المساواة الكبيرة في البلاد بين أبناء الطبقات الغنية وأغلبية التسعين مليون نسمة الذين يعيش أكثر من أربعين في المئة منهم على دولارين فقط في النهار.
لكنّ أكينو يمثل للأربعين بالمئة من الناخبين، الذين صوتوا له في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العاشر من أيار الماضي، أملاً بمستقبل جديد يحمل بعض الخير لهم بعيداً عن سنوات أرويو العجاف وقبلها جوزيف أسترادا.
لكنّ هؤلاء انتخبوا أكينو كرمى لعائلته، التي كان فيها نواب في البرلمان (جد والده وجده)، وسيناتور في مجلس الشيوخ (والده)، ورئيس للجمهورية (والدته). فهو بعد عودته إلى الفيليبين في 1983 كان يعمل في القطاع الخاص ولم يكن أحد يعرفه سوى أنّه ابن الرئيسة السابقة كورازون أكينو. وبدأ اهتمامه بالسياسة في 1998 حين انتخب لمجلس النواب، الذي استمر فيه حتى 2007 ثم انتقل إلى مجلس الشيوخ.
نوينوي، كما يطلق على أكينو، ولد في مانيلا (1960) ودرس فيها وعاش حياة مرفهة كونه ابناً لسيناتور في مجلس الشيوخ. وبقي في الفيليبين حتى بعدما هربت عائلته إلى الولايات المتحدة إثر خلافات والده مع الرئيس فرديناند ماركوس. لحق بعائلته إلى مدينة بوسطن في 1981 ليعود بعد اغتيال والده في 1983 إلى مانيلا. عاش بعد ذلك الفترة الذهبية لصعود والدته السياسي، التي اصبحت رئيسة للفيليبين بعد انتفاضة «ثورة القوة الشعبية» التي أطاحب بماركوس في 1986.
وصول أكينو الأم إلى السلطة بعد عقدين من الدكتاتورية في ظل حكم ماركوس (الذي دام من 1965 حتى 1986) وعودة الديموقراطية لم يساهم كثيراً في تحقيق الإصلاحات السياسية والحكومية المرجوة. إذ اصطدمت طموحات أكينو بالديون الكبيرة، الفساد الحكومي ومحاولات الانقلاب العديدة التي تعرضت لها (تسعة خلال ست سنوات).
إلى جانب ذلك، بدأ الخطر يأتي من المناطق الإسلامية في جنوب البلاد (سولو، مينداناو وبالاوان) التي تريد الاستقلال وعودة الحرب التي كان بدأها الماويون ضد السلطة المركزية في ستينات القرن الماضي. حاولت اكينو أن تفتح حواراً مع الإسلاميين والماويين، لكنّها فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر وفضلت التركيز على القضايا الاقتصادية والإصلاح السياسي، فقلصت صلاحيات الرئيس، لتفادي أي عودة إلى أيام ماركوس، وساهمت في إنشاء اقتصاد حر في البلاد. خطوة ساهمت في الانهيار الاقتصادي الذي طال البلاد في 2007، فيما عرف بـ«إزمة النمور الأربعة» في شرق آسيا. أزمة أتت لتيطح بكل التطور الاقتصادي الذي حصل أيام حكم فيديل راموس الذي خلف أكينو الأم.
لم تهدأ الأمور في الفيليبين، فبعد انتخاب جوزيف استرادا كرئيس للبلاد في 1998 بدأت التحركات المعارضة مع انتشار الفساد من جديد رغم انجازات الرئيس في ما يتعلق بالقضية الإسلامية. وفي 2001، تم عزله واستلمت نائبته، غلوريا أرويو، الرئاسة بعدما وضعت نفسها في مواجهته قبل أشهر من ذلك.
في 2004، انتخبت أرويو مجدداً في تصويت شابه اتهامات بالتزوير أضيفت إلى تهم الفساد التي تخللت السنوات التسع التي قضتها في الحكم، والتي عارضها اكينو من موقعه كنائب لرئيس الحزب الليبرالي.
يستلم إذاً أكينو الابن تركة ثقيلة من أسلافه في بلد فقير ينخره الفساد مؤسساته الحكومية. ويواجه تحديات عدّة يجب عليه أن يبدأ بمعالجتها فور استلامه منصبه ليفي بوعوده للشعب الفيليبيني. التحدي الأول هو قدرته على محاسبة سلفه أرويو، وخصوصاً بعدما قامت بمنع عدد من القضايا من الوصول إلى المحاكم لمقربين منها متهمين بالفساد. وتثار شائعات كبيرة في البلاد عن تورط أرويو وعائلتها في تهم فساد ومحاباة. ويشك البعض في قدرة أكينو على محاسبتها في ظل عدم رغبته في إثارة غضبها. فهي لا تزال تتمتع بتأثير كبير على القضاة وبعض المؤسسات الحكومية حيث زرعت مناصرين لها.

يتسلم اكينو تركة ثقيلة من أسلافه في بلد فقير ينخر الفساد مؤسساته الحكومية
كما يتوجب على أكينو أن يسعى لإحلال السلام في البلاد، وخصوصاً مع التوترات الموجودة في أماكن عدّة مع الشيوعيين والمسلمين. ويعتقد بعض المراقبين أنّه سيستمر في السياسات السابقة التي تمليها أميركا على الفيليبين منذ عقود، وسيبقى يمارس سياسة محاربة الإرهاب التي اعتمدتها أرويو. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من التهميش لحقوق الإنسان في البلاد.
كما يواجه قضية الفساد المستشري في الدولة الذي يعيق التقدم الاقتصادي، والذي يكلف ستة مليارات دولار للخزينة العامة كلّ سنة. ويعاني غالبية السكان من مستوى معيشة منخفض ويتهم اليساريون الفيليبينيون الطبقة الحاكمة بأنّها تنفذ رغبات السفارة الأميركية ومكتب غرفة التجارة الأميركية الموجود في البلاد، ما يبقي الحال على ما هو عليه. ويبقى هنا معرفة هل سيسستمر أكينو في ذلك ام سيبتعد عن التأثير الأميركي. وسيضطر الرئيس الجديد إلى إيجاد حلّ لمشكلة قديمة مستعصية هي قضية الأراضي الزراعية التي يطالب الشعب بتوزيعها على المزارعين وعدم ابقاء غالبيتها بيد 500 عائلة غنية تسيطر على القطاع الزراعي.
يدخل أكينو الإبن اليوم إلى قصر مالاكانيان الرئاسي مطالباً بتنفيذ وعود كبيرة جداً قطعها لناخبيه. وعود يجب عليه أن يبدأ بتنفيذها قريباً في حال أراد الحفاظ على شعبيته الطارئة. فهو برز إلى الواجهة بعد وفاة والدته كورازون في آب 2009 فركب الموجة الشعبية الحزينة عليها وانتقل من الظلمة التامة، إذ لم يكن أحد يعرفه، ليصبح الرئيس الخامس عشر للفيليبين.