دونالد هيثفيلد وترايسي فولي، ريتشارد وسينتيا مورفي، آنا شابمان وميخائيل سيمينكو هي أسماء بعض «الجواسيس» الذين يشغلون الأميركيين منذ أيام... فما هي الرواية الأميركية عن هؤلاء؟ وماذا عن الاستعراض الاستخباري الذي أيقظ نوستالجيا الحرب الباردة؟
صباح أيوب
يحتفل الأميركيون، منذ ثلاثة أيام، بقضية القبض على ما سمّوه «شبكة جواسيس روس». شبكة مؤلّفة من 11 شخصاً أوقفت السلطات الأميركية 10 منهم في ولايات أميركية عديدة بتهمة التجسس والقيام بأعمال غير شرعية. الاحتفال بالخبر ظهر جليّاً في الصحف والمواقع الإلكترونية الأميركية، حيث أغدق مكتب التحقيقات الفدرالي على الصحافيين المعلومات عن الأشخاص قيد التحقيق وعن هوياتهم وطريقة عملهم المزعومة. الرواية الرسمية التي عمّمت على الإعلام ركّزت على «الجاسوسية» أكثر من أي شيء آخر، فاستعانت كلّ من «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» بجواسيس سابقين وخبراء في العمل التجسسي منذ أيام الحرب الباردة لتقف على آرائهم في ما حصل. ونشر الخبر على مدوّنة الـ«بوست» الخاصة بالعمل الاستخباري، رغم أنّ المقالات لم تشر إلى أي تفصيل بشأن أهداف التجسس أو المعلومات التي نُقلت أو حيثيات التهم الموجّهة.
أجواء «الحرب الباردة» خيّمت على الصفحات الأولى بعناوين بوليسية جاذبة عن «جاسوسة صهباء فاتنة» وشيفرات «مورس» وحبر سري وأموال روسية مخبّأة في أكياس... فمن هم هؤلاء الأشخاص حسب رواية الـ«إف بي آي»؟ ما هي أسماؤهم؟ كيف عاشوا وكيف أدّوا «مهماتهم الاستخبارية»؟
التحقيقات كشفت أنه طلب من «الجواسيس» الروس أن يعيشوا «حياة أميركية بالكامل» بهدف التقرّب من مسؤولين في السلطة والدخول إلى دوائر حكومية. ومن بين المتهمين الذين تناولهم الإعلام ثلاثة أزواج وامرأة وشاب، وأشارت التحقيقات إلى أنّ أعضاء المجموعة اعتمدوا أسلوب «الثنائي المتزوج» للتمويه وتسهيل مهماتهم داخل الولايات المتحدة.
الثنائي الأول هما «الزوجان» دونالد هيثفيلد وترايسي فولي في الأربعينيات من العمر، يعيشان في منطقة كامبريدج في ماساشوستس، ولهما ولدان. الزوج يحمل شهادة من جامعة «هارفرد»، وقد عمل مع زوجته مستشارين لعدة شركات أميركية منها «جنرال إلكتريك» و«بوسطن سيانتيفيك» و«تي موبيل». يحملان جوازات سفر كندية تقول التحقيقات إنها تعود إلى أشخاص كنديين متوفين. جيران الزوجين يقولون إن العائلة كانت «طبيعية» وكانت تنظّم «حفلات صاخبة في المنزل»، وكان التعاطي معها «سهلاً».
الثنائي الثاني ريتشارد وسينتيا مورفي، يعيشان في مونكلير في نيو جيرسي، في الثلاثينيات من العمر ولهما ابنتان. الزوج كان ربّ منزل، وسينتيا التي تحمل شهادة في إدارة الأعمال من جامعة «كولومبيا» تعمل مستشارة مالية في نيويورك ولديها «لكنة إسكندنافية». جيران العائلة وصفوا أفرادها بأنهم «لطفاء» ولا «يهتمون سوى بشؤونهم».
الثنائي الثالث خوان خوسيه لازارو (مولود في الأوروغواي) وفيكي بيلايز (من البيرو) يعيشان في نيويورك مع ابنهما الوحيد. خوان هو مدرّس في أحد المعاهد، ومعروف، كما تقول التحقيقات الأميركية، بآرائه اليسارية المباشرة. أما زوجته فيكي، فهي تعمل صحافية وكاتبة منذ أكثر من 20 سنة في «إل دياريو لا برنسا»، إحدى أبرز الصحف الناطقة باللغة الإسبانية في الولايات المتحدة. وتقول التحقيقات إنه كان لديها ميول داعمة لسياسات فنزويلا وكوبا وآراء وكتابات معادية للإدارة الأميركية. معارف الزوجين يشهدون لهما بسعة معرفتهما وتفانيهما في تربية ابنهما. أما التحقيقات الرسمية فتقول إن الزوجين رُصدا في 3 رحلات قاما بها إلى أميركا اللاتينية، حيث تسلّما طروداً تحتوي على أموال من مشغليهما الروس.
أما الشابة الصهباء ذات الملامح الروسية الظاهرة، فهي آنا شابمان (28 سنة)، وتحمل شهادة ماجستير في الاقتصاد. شابمان أنشأت شركة عقارية إلكترونية تهدف إلى تحفيز العلاقات بين رجال الأعمال الأميركيين والروس. وتقول الـ«إف بي آي» إن شابمان كانت ترسل من على موقعها الإلكتروني رسائل مشفّرة وصوراً ومعلومات، وكان يجري تبادل المعلومات كل يوم أربعاء منذ شهر كانون الثاني الماضي. وقد قبض على شابمان، حسب التحقيقات، بواسطة عميل متخفّ لـ«إف بي آي» ادّعى أنه أحد المسؤولين الرسميين الروس.
ومن بين أحد الموقوفين شاب يدعى ميخائيل سيمينكو في العشرينيات من عمره، كل ما عرف عنه أنه «شاب أنيق، يقود سيارة مرسيدس وله صديقة سمراء». يعمل في مكتب سفريات إلى روسيا ويتقن 4 لغات. وتقول التحقيقات الفدرالية إنه قضى شهوراً في مركز الاستخبارات الروسية في موسكو، حيث تعلم تقنيات حديثة جداً في كيفية إرسال نصوص مشفّرة عبر الإنترنت.
الـ «إف بي آي» يقول إنه ضبط في منازل الموقوفين أجهزة إرسال تعتمد على موجات البث القصيرة وأجهزة لاسلكية أرسل من خلالها المتهمون معلوماتهم عبر شيفرات «المورس» إلى موسكو. والكل تقاضى مبالغ مالية ملفوفة بجريدة في متنزهات نيويورك، أو تركت لهم في أكياس وطرود إلى جانب الطريق. وقد سُرّبت إحدى الرسائل التي تدّعي التحقيقات أنها وجّهت من وكالة الاستخبارات الروسية إلى أحد المتهمين عام 2009 وجاء فيها: «أُرسلتم إلى الولايات المتحدة بهدف تأدية خدمة طويلة الأمد. فالتعليم الذي تحصلون عليه، الحساب المصرفي، السيارة، البيت، إلخ... جميعها لتحقيق هدف واحد: تحقيق مهمتكم الرئيسية، أي تطوير العلاقات في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، وإرسال التقارير الاستخبارية إلى سي». (وفُسّرت «سي» بأنها مقرّ الاستخبارات الخارجية في موسكو).