تفتقت الحناجر في الكواشرة، التي تضم أكبر تجمع بشري من أصول تركية، بعبارات شجب واستنكار لامست بصدق الانفعال بالمجزرة الإسرائيلية بحق متضامني «أسطول الحرية»
عكار ــ روبير عبد الله
«إسرائيلي أولما استير»، أي نريد الموت لإسرائيل، عبارة جديدة تضاف إلى قاموس الخطاب المعادي للدولة العبرية، لكن هذه المرة باللغة التركية وباللهجة المحلية على لسان أطفال الكواشرة من ذوي الأصول التركية. من بين الجموع المحتشدة رفعت الفتاة أمل حكم حسن مع رفيقاتها «كرتونة» كتب عليها على عجل «اللهم زدهم رعباً وانصرنا عليهم». عبارة خير دليل على تواضع الإمكانات مقابل صدق التعبير والرغبة الجامحة في رفع الصوت لإدانة المعتدي على جريمته المتواصلة بحق الأحرار، الذين كانوا هذه المرة بغالبيتهم من التابعية التركية، على متن «أسطول الحرية» المتوجه لإغاثة شعب فلسطين المحاصر في غزة.
من دون مقدمات، ومن دون أطر تنظيمية ووسائل نقل وسائر المحفزات، احتشد المئات فور تواتر أخبار آخر المجازر الإسرائيلية. في البداية كانوا في معظمهم من بلدة الكواشرة، ثم راح العدد يتزايد ليشمل العديد من سكان القرى والبلدات المجاورة لبحيرة الكواشرة، من البيرة وعيدمون ووادي خالد والقبيات.
ومن دون احتساب لاعتبارات الأفضلية في اعتلاء المنبر، انبرى المتحدثون للتعبير عن الشجب والاستنكار للجريمة البشعة، وللتعبير عن روح الامتنان والتضامن مع شعب تركيا وحكومتها، وعادت فلسطين عموماً وغزة حصراً لتبدوا أنهما لا تزالان تسكنان في ضمير أبناء عكار والمنطقة.
بروحية أهل القرية المتواضعة، ترك الكلام لمن هم من خارج البلدة، من وادي خالد أولاً، إذ توجه جمال الأسعد بالتحية لشهداء أسطول الحرية وللأسرى، الذين «أسرهم قراصنة الجيش الصهيوني لأنهم عزموا على مساعدة غزة الأبية بالرغيف وقطرة الماء». وقال إنه «لا حاجة إلى برهان جديد على جرائم إسرائيل».
أما يوسف وهبة من بلدة البيرة الملاصقة للكواشرة، فقد رأى أن «السلام أتى على ظهر سفينة، فكان لها العدو بالمرصاد ونال من أجساد أبطالها، لكنه لم ينل من عزيمتنا ولا من صمودنا ولا من مقاومتنا، وقد اقترب اليوم الذي يأتي فيه المجاهدون ببنادقهم من كل البلدان العربية التي تناسى فيه الحكام شعوبهم ليتمتعوا بالإقامة في الفنادق والبارات».
ومن عيدمون، التي يتقاسم الإقامة فيها المواطنون من ذوي الأصول التركية والعربية، ذكّر المختار محمد خضر الحاج بتاريخ إسرائيل المليء بالإجرام وقتل الأبرياء من «مذبحة دير ياسين وصولاً إلى عدوان تموز
عام 2006».
وكان الموقف الأكثر تعبيراً في كلام ابن الكواشرة، المدرّس أحمد خضر، الذي ناشد العرب أن «كفانا إذلالاً وأطفالنا يُذبحون على أيدي الصهاينة المجرمين».
ثم شكر جوزف عبد الله من بلدة القبيات أهالي الكواشرة لجمع منطقة الدريب في عكار على أشرف قضية. وذكّر بأنه ليس غريباً على أهل المنطقة انخراطهم في خط الدفاع الأول عن فلسطين، «ألم تحتفل بلدة القصير المجاورة للكواشرة باسترجاع رفات الشهيد محمود مرعب في صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة
وإسرائيل؟».

تواضع الإمكانات مقابل صدق التعبير في الكواشرة

وأوضح رئيس بلدية الكواشرة المنتخب سليمان الأسعد لـ«الأخبار»، أن اجتماع الكواشرة لم يكن فقط «لأننا من جذور تركية»، فالجريمة هي بحق الإنسانية جمعاء وبحقنا كعرب و«نحن لبنانيون، وإن كنا نعتز بأصولنا التركية».
وفي الواقع، أصول سكان الكواشرة جميعهم تركية، وهم لا يزالون يتحدثون اللغة التركية القديمة. وأخيراً برز الاهتمام التركي بالكواشرة والجوار، فزار المنطقة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وزارها كذلك السفير التركي إينان اويلديز مرات عدة. وقدمت تركيا مشاريع عديدة للقرية.
لذلك، كان الرد العفوي من أهالي المنطقة، لأن الاهتمام التركي يمثل حدثاً يومياً يتداولونه. كذلك يتداولون أسلوب تنفيذ المشاريع بطريقة علمية تخلو من عمليات الغش، مثل ما يقول معظم المراقبين لتنفيذ المشاريع التركية.