«المحافظون» إلى الحكم بمساندة «الديموقراطيّين الأحرار»!ديما شريف
«أنا أعرف أنّه إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فإنّ دايفيد كاميرون، ربما بمساندة نيك كليغ، سيكون رئيساً للوزراء». جملة قالها رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، خلال آخر مناظرة قبل الانتخابات العامة لمجلس العموم (النواب) اليوم، تختصر المشهد السياسي في المملكة المتحدة وربما نتيجة ما ستؤول إليه عملية الاقتراع.
فبعد ثلاثة عشر عاماً على حكم حزب «العمال» يبدو أنّ المحافظين في طريقهم للعودة إلى «10 داونينغ ستريت» بدفع من «الديموقراطيين الأحرار»، الذين يسرقون أصوات اليسار شيئاً فشيئاً.
وكان اللافت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بروز نجم زعيم حزب الديموقراطيين الأحرار نيك كليغ. فرغم أنّه لم يتصدر التوقعات بشأن الرابح بعد انتهاء المناظرة التلفزيونية الثالثة، تمكّن، باعتراف عدد كبير من المحللين والمراقبين، من انتزاع مركز العمال، الثاني، في نية التصويت وفق أكثر من استطلاع للرأي.
وكليغ لم يكن معروفاً لدى الناس قبل المناظرات المتلفزة بين المتنازعين على مركز رئاسة الوزراء، التي اعتُمدت للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات العامة البريطانية. واستفاد كليغ كثيراً من المناظرات، إذ استطاع حصد تأييد عدد كبير من المشاهدين، بعدما نال التغطية الإعلامية التي سمحت له بعرض مشروع حزبه الذي يميل نحو اليسار. وقدم بذلك بديلاً عن المحافظين الذين لجأ إليهم البعض، ليس محبة بهم، ولكن هرباً من «العمال»، وتوريطهم المستمر للشعب في الحروب (العراق وأفغانستان).
إذاً أمام الناخب البريطاني ثلاثة خيارات يوم الانتخابات، ويسعى كلّ حزب إلى استمالته عبر برنامجه. فـ «العمال» بعد حكم 13 عاماً يريدون «خلق طبقة متوسطة تكون أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى»، كما قال براون يوم بدء الحملة الانتخابية. كما تعهد الحزب استبدال «السياسات التي فقدت صدقيتها وثقة الناس بها، بأخرى جديدة»، ملمّحاً إلى فضيحة النفقات البرلمانية. وتعهد الحزب أن يخفض الإنفاق العام عبر زيادة النمو، وإحداث تغييرات ضريبية لكن دون زيادة ضريبة الدخل، مع إمكان زيادة الضريبة على القيمة المضافة. كما تعهد حزب «العمال» رفع الحد الأدنى للأجور الذي تقرّر عام 1999.
أما حزب الديموقراطيين الأحرار، فهو يعد بتنظيم النظام الضرائبي ليصبح أكثر عدلاً، إلى جانب النظر في القانون الانتخابي مع بعض الإصلاحات السياسية. ويدعو الحزب إلى إيجاد حل للصراع في الشرق الأوسط على مبدأ الدولتين، ولهذا يتّهمه البعض بأنّه معادٍ لإسرائيل. ومن مآخذ بعض البريطانيين على الحزب أنّه يريد أن تعمل بريطانيا من ضمن أوروبا في سياساتها الخارجية، وإدخالها في منطقة اليورو.
أما المحافظون، فقد وعدوا في حال فوزهم باتخاذ إجراءات مالية صارمة لمعالجة الدين الحكومي المتراكم، وخفض النفقات العامة، والحد من ثقل الدولة المهيمنة في نظرهم. ويركّز الحزب في برنامجه على قضايا داخلية مثل التعليم، الصحة والبيئة.
لكن ما تتّفق عليه الأحزاب الثلاثة هو تغيير في النظام الانتخابي. إذ إنّ النظام المتّبع في بريطانيا هو الأكثري وفق الدوائر، حيث ينتخب كلّ مواطن نائباً واحداً في دائرته الانتخابية. وهذا يعني أنّه يمكن لحزب ما أن ينال أكبر عدد من أصوات الناخبين دون أن ينال أكبر عدد من مقاعد مجلس العموم، ولن يستطيع أن يحكم بالتالي. وهذا ما يخاف منه بعض المراقبين، إذ من الممكن أن ينال حزب «العمال» عدداً أكبر من المقاعد من منافسه الأبرز، حزب المحافظين، الذي يُتوقع أن ينال أكبر عدد من الأصوات. ولذلك فإنّ على الحزب الذي يفوز أن يدعو الأحزاب الأخرى إلى محاولة إيجاد نظام نسبي، لا يريده البعض في بريطانيا خوفاً من الاضطرار إلى اللجوء إلى الحكومات الائتلافية.
أما اليوم، فإنّ هناك مخاوف جديّة من أن تؤدّي الانتخابات إلى «برلمان معلّق»، أي ألّا يحصل أيّ من الأحزاب الثلاثة على الأغلبية المطلقة للحكم، أي 326 مقعداً من أصل 650. وعندها لن يستطيع الحزب الذي نال أكبر عدد من المقاعد تأليف حكومة من دون تحالف، من المتوقع أن يكون مع كليغ والديموقراطيين الأحرار، الذي سيكون حصان هذه الانتخابات الأسود.
ويتوقع المراقبون ثلاثة سيناريوهات. الأول يحصل فيه «العمال» على المقاعد و«المحافظون» على الأصوات. وهنا يختار كليغ الطرف الذي سيحكم، وفق الصفقة التي سيقدمها كاميرون وبراون إليه. الخيار الثاني أن يكون المحافظون قريبين جداً من الغالبية المطلقة وسيستطيعون في هذه الحالة الحصول على دعم أحد الأحزاب الصغيرة للحكم، من دون الالتفات إلى كليغ وحزبه. وفي الحالة الثالثة يتمتع المحافظون بغالبية مطلقة لكنّها بعيدة الاحتمال، إذ يجب أن يكون الفارق بينهم وبين أقرب المنافسين 10 نقاط مئوية، وهو ما لم يحصل حتى الآن في أكثر الاستطلاعات تفاؤلاً.
وكعادتها، أعلنت الصحف الرئيسية تأييدها لهذا الحزب أو ذاك قبل أيام من الاقتراع. فساندت أربع صحف يومية المحافظين، مقابل صحيفة واحدة لكلّ من «العمال» و«الديموقراطيين الأحرار». وشجعت صحيفتا «ذا غارديان» (يسار وسط) و«ذا تايمز» (يمين وسط) السبت قرّاءهما على تجاهل حزب «العمال».
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة «يوغوف» لمصلحة صحيفة «صن» أمس أنّ نسبة تأييد المحافظين بقيت عند 35 في المئة، فيما ارتفعت النسبة التي حصل عليها العمال إلى 30 في المئة. بينما تراجع الديموقراطيّون الأحرار أربع نقاط إلى 24 في المئة.


أحزاب الأقليةمقابله يقف حزب الخضر، المعني بالقضايا البيئية. كما يخوض المعركة الانتخابية حزب «ريسبكت» (الاحترام) وهو مناهض للحرب، تتزعّمه المسلمة المحجبة سلمى يعقوب ويضم في صفوفه جورج غالاوي (الصورة).