عواصم الاتحاد تستعدّ لحملة تقشّف مؤلمة بدأتها إيسلندا وفرنساباريس ــ بسّام الطيارة
عندما تتحالف الشائعات مع تقارير التصنيفات المالية، وعندما تسير تلك الشائعات خلف تصريحات متناقضة للحكومات الأوروبية لتصبّ في تكذيبات الواقع المتردّي لاقتصادات منطقة اليورو، فإنّ النتائج الملموسة لصداها تكون أليمة، ولا تترك أي مجال للشك في الوجهة التي يمكن أن تأخذها الأزمة الاقتصادية؛ فبعد اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، من دون أن ننسى أنّ إيسلندا قرّرت عدم تسديد ديونها، ها هي وكالة التصنيف المالي «موديز» ترى أنّ الأزمة المالية اليونانية تمثّل خطراً كبيراً على المصارف في الدول الدائنة للدول المتعثرة، بينها فرنسا، كما يمكن أن تطال بريطانيا، وبالطبع إيرلندا.
وبينما الأبصار شاخصة نحو هذه الدول، عادت الشائعات لتصبّ في اتجاه إيطاليا، متحدثة عن إمكان تدهور تصنيف الديون الإيطالية، بعدما أعادت الحكومة النظر في توقّعاتها في مجال الديون، وكشفت عن زيادة في مديونيتها تتجاوز ١١٨ في المئة من إجمالي الناتج الداخلي. وبالطبع، انعكس الأمر على بورصة ميلانو التي دفعت الثمن الباهظ بتراجعها بنسبة ٤،٢٦ في المئة.
في هذا الأجواء الملبَّدة بالتقارير والتقويمات الممزوجة بالشائعات، اجتمع قادة دول منطقة اليورو، أمس، في بروكسل، في قمّة استثنائية لمعالجة الضغوط القوية التي يتعرّض لها الاتحاد النقدي أو منطقة اليورو، مع تزايد التوقعات المتشائمة حيال إمكان «اختفاء» منطقة اليورو إذا لم تطبّق الحكومات الأوروبية إصلاحات عميقة.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد رأيا أنّ هذه الإصلاحات ستمر عبر «عقوبات أكثر فاعلية» بحق الدول التي تتجاوز سقف العجز الذي حدّدته المعاهدة الأوروبية بـ٣ في المئة من موازناتها. كذلك دعا المسؤولان إلى «تعزيز التماسك بين الإجراءات المالية الوطنية، ومعاهدة الاستقرار» التي تُحكم الرقابة على عجز الموازنات في الاتحاد الأوروبي.
كلام يرى فيه المراقبون دعوة إلى تناغم أفضل للموازنات الوطنية، أي المزيد من «تشابك الاقتصادات الأوروبية»، وهو ما بات يثير القلق لدى عدد كبير من المواطنين الأوروبيين ممّن يرون أنّ «الدول المنضمّة حديثاً إلى الاتحاد بعد توسيعه، هي وراء العجز المتراكم». ومعروف أنّ ١٦ دولة فقط من أصل ٢٧ سمحت لها اقتصاداتها بالانتساب إلى منطقة اليورو.
وفي هذا الصدد، أعلن نائب رئيس البنك المركزي البولندي فيتود كوزينسكي، أنّ الأزمة اليونانية ستؤخر انضمام بولندا إلى منطقة اليورو حتى موعد غير محدّد، فيما يزداد الحديث عن إمكان خروج اليونان «رغم الـ١١٠ مليارات» التي ستحصل عليها بموجب «خطة الإنقاذ».
ويريد مسؤولو الدول الـ١٦ من منطقة اليورو التركيز على وسائل تعزيز السلوك المالي في المستقبل، وهو ما يسعى ساركوزي وميركل للحصول عليه، إذ علمت «الأخبار» أنهما وجّها رسالة إلى زعماء دول منطقة اليورو، قبيل القمة، يطالبانهم فيها بـ«الاستعداد للتفكير في تعزيز الرقابة المالية» على اقتصاداتهم.
وتشدّد ألمانيا على ضرورة إقرار مسألة «حرمان الدول المتساهلة» من بعض المساعدات الأوروبية، ومن حقوق التصويت في الاتحاد الأوروبي، وتصرّ على أن «توضع آلية لإعلان إفلاس دول»، وهو ما تتردد فرنسا في قبوله.
ويمكن تفهّم تردّد باريس، إذ إنّ الشائعات بشأن الوضع المالي لفرنسا كانت تتردّد، منذ أسبوع، في أصداء الأزمة المالية التي تضرب أوروبا. وجاء إعلان رئيس الوزراء فرنسوا فيّون، أول من أمس، عن تجميد نفقات الدولة للسنوات الثلاث المقبلة، بمثابة تأكيد أنه «لا دخان من دون نار». وفي موقفه، كشف فيّون أنّ خطته هي «محاولة» لإعادة العجز العام في ٢٠١٣ إلى أقل من ٣ في المئة من إجمالي الناتج المحلي، تنفيذاً لوعد باريس تجاه شركائها في النادي الأوروبي.
وقال رئيس الحكومة، في مقابلة تلفزيونية، إنّ نفقات الدولة «باستثناء تكاليف فائدة الدين والعلاوات، ستُجمَّد في شكل سندات»، وهذا يعني أنّ القدرة الشرائية للدولة الفرنسية واستثماراتها، ستكون محدودة، ولن تتجاوز مستوى التضخم.
وترافق هذا الإعلان مع مواصلة سياسة التقشف، وخصوصاً في مجال استبدال موظَّف واحد في ملاك الدولة، من أصل اثنين يتركان العمل، إما للتقاعد أو لأسباب أخرى، إضافة إلى خفض نفقات تسيير الدولة بنسبة ١٠ في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
إلا أنّ قرار تجميد نفقات الدولة للسنوات الثلاث المقبلة، صدر في توقيت «غير مناسب البتة» لليمين الفرنسي الذي خسر الانتخابات المناطقية، ويستعدّ لخوض انتخابات رئاسية في 2012. وعلّق أحد أقطاب اليمين على القرار المالي لحكومته بالقول «يعني هذا أنّنا لا نستطيع أن نقدّم هدايا انتخابية»، قبل أن يضيف «يعني هذا أيضاً أننا فقدنا ميزة أن نكون في الحكم قبل الانتخابات».
إلا أنّ المعارضة الاشتراكية أدانت «خطة التقشف»، مشيرة إلى أنها سوف «تزيد من تدهور وضع الفرنسيين». بدوره، رأى الحزب الشيوعي أنّ الحكومة تعدّ لـ«سيناريو يوناني» سيقود إلى «الانتهاء من النموذج الاجتماعي الفرنسي الفريد». غير أنّ المتحدث باسم الحكومة، لوك شاتيل، حاول التخفيف من الصدمة، مشدّداً على أنّ «كل الفرنسيين سوف يتأثّرون» بالإجراءات الأخيرة، التي وصفها بأنها «سياسة حازمة» ستترافق مع «زيادة ملموسة في الضرائب»، أي إنها أشبه ما تكون بالإجراءات التي أقرّها البرلمان اليوناني، والتي أنزلت اليونانيين إلى الشوارع.