مشاورات تبدأها أميركا بحضور روسيا والصين... ومقاطعة البرازيل رغم توسّع دائرة الترحيب الدولي باتفاق طهران الثلاثي بشأن التبادل النووي، إلا أن الولايات المتحدة أصرّت أمس على طرح مشروع عقوبات على مائدة مجلس الأمن الدولي، مشيرة إلى حصولها على موافقة موسكو وبكين، فيما أكدت أنقرة أن الوقت غير مناسب لفرض عقوبات
سارعت الولايات المتحدة، في خطوة تصعيدية تستهدف إجهاض الاتفاق الثلاثي، إلى عرض مسودة مشروع قرار لعقوبات دولية ضد إيران على طاولة مجلس الأمن، حيث قبلت روسيا والصين الجلوس والتفاوض تحت وقع تهديد أميركي ـــــ بريطاني باللجوء إلى عقوبات أحادية الجانب بمشاركة الاتحاد الأوروبي والدول الحليفة.
وبدا أن مشروع القرار، الذي اتفقت الدول الخمس الدائمة العضوية على مسودته قبل توقيع اتفاق طهران، مشابه للقرار الكوري الشمالي من حيث السماح بتفتيش السفن التي تنقل التجارة الإيرانية. الغاية من التفتيش، حسبما فهم، ستكون البحث عن صادرات أسلحة من إيران أو البحث عن مواد نووية أو مساعدة آتية إليها. وسيتضمن القرار، بحسب المعلومات المتسربة، أسماء شركات وشخصيات ذات صلة بالحرس الثوري الإيراني سيحظر تنقلها والتعامل معها. لكن ربما كان الأهم هو فرض عقوبات مالية على الشركات التي تتعامل مع إيران في مجالات معينة. وهذه ستطال شركات روسية وصينية عديدة.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله إن مشروع قرار العقوبات الجديد، لا يتيح لإيران الاستثمار في الخارج في قطاعات حساسة، مثل مناجم اليورانيوم ويجعل سفنها معرضة للتفتيش في عرض البحر، مشيراً إلى أنه يمنع بيع ثمانية أنواع من الاسلحة الثقيلة الجديدة إلى طهران، وخصوصاً الدبابات. وأضاف إنه يأمل استصدار القرار أوائل حزيران.
وكانت روسيا والصين قد سجلتا، قبل إعلان طهران، اعتراضات على أي عقوبات منفردة خارج إطار الأمم المتحدة لأن شركاتهما التي تتعامل مع إيران بدأت تعاني من الضغوط الأميركية، وبعضها ألغت صفقات ومشاريع استثمارية في قطاع النفط بالفعل، منها شركة «لوك أويل» الروسية العالمية العملاقة التي تزود إيران بنحو 250 ألف برميل من البنزين شهرياً. كما تكبدت مصارف أوروبية مئات ملايين الدولارات جراء تعاملها السري مع إيران.
وكانت الجلسة المغلقة لمجلس الأمن قد عقدت بدعوة بريطانية تحت بند «استئناف جلسة التشاور»، بحسب بيان وزعته البعثة اللبنانية في نيويورك بصفتها الرئيسة الحالية للمجلس. وإذا اتفقت الدول النووية الخمس الدائمة العضوية على مشروع القرار، حسبما يفيد الأميركيون، فإن الشكوك تحوم حول قبول تركيا والبرازيل ولبنان ونيجيريا وأوغندا. هذه الدول قد تمتنع عن التصويت أو تصوّت ضد القرار. ولقد عبّرت مندوبة البرازيل في مجلس الأمن، ماريا لويزا ريبيور، التي لم تشارك في النقاشات، عن تمسك بلادها بالحل الدبلوماسي.
وكان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، قد دعا في مدريد «المجتمع الدولي إلى دعم» اتفاق طهران. أمّا وزير خارجيته، أحمد داوود أوغلو، فقد ذكر من اسطنبول، أن الاتفاق يمثل أهم مبادرة إيرانية في تاريخ الدبلوماسية الدولية منذ 30 عاماً، مضيفاً «ليس هذا هو الوقت الذي نعكر فيه الصفو بسيناريوهات سلبية تشمل عقوبات». وتابع إن «مناقشة العقوبات ستفسد الجو العام، وقد تؤدي إلى تصعيدات وتثير الرأي العام الإيراني». لكنه أرجع الفضل في نجاح أنقرة في السعي لحل سياسي، إلى سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، المتمثلة في التعامل مع إيران.
إلا أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أكدت في جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن توصلت إلى اتفاق بشأن مسودة مشروع القرار التي عمّمت على بقية أعضاء المجلس الـ15 أمس. وقالت «أعلن بسرور لهذه اللجنة أننا توصلنا الى اتفاق على مسودة مشروع قوي بالتعاون مع روسيا والصين».
وبالرغم من ترحيبها بـ«الجهود الصادقة» التي تبذلها تركيا والبرازيل «لإيجاد حل للمواجهة بين إيران والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي»، قالت كلينتون إن «هناك عدداً من الأسئلة التي تظل بلا إجابات بخصوص الإعلان الصادر من طهران»، معتبرة أن إيران تحاول من خلال اتفاق مبادلة الوقود النووي مع تركيا والبرازيل التملص من الضغوط.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إن اتفاق مبادلة الوقود النووي مع إيران «خطوة إيجابية»، وإن فرنسا تنتظر من طهران الآن تقديم التفاصيل الكاملة كتابة.
وأضاف بيان صادر عن الإليزيه «يجب منطقياً أن يترافق (هذا الاتفاق) مع توقف إيران عن تخصيب (اليورانيوم) بنسبة 20 في المئة».
من ناحيته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ما تشاوشيوي، إن بلاده، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، تأمل أن تساعد هذه الخطوة في تطوير حل سلمي لقضية النووي الإيراني عبر الحوار والتفاوض.
وفي السياق، أعلن مستشار للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، من مدريد، أن بلاده تأمل الانضمام مع تركيا إلى المفاوضات التي تخوضها مجموعة الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا) لحل الأزمة النووية مع إيران.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أكدت إيران أمس أنها ستبلغها بتفاصل الاتفاق «بالقنوات التقليدية»، قد طالبت بتأكيد خطي من إيران لهذا العرض.
وفي السياق، أبدى رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، علي لاريجاني، تأييده للعرض، وقال «ينبغي أن تتقارب مواقف الجميع وأن يسلك البلد بصوت واحد هذا الطريق العادل».
وأعلن 234 من نواب البرلمان، دعمهم للاتفاق في بيان قرأه عضو هيئة رئاسة المجلس، النائب حسن غفوري فرد، خلال الجلسة العلنية للبرلمان.
من جهة ثانية، قررت فرنسا الإفراج المبكر عن الإيراني المحكوم بالسجن منذ عام 1991 بتهمة اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق شهبور بختيار، علي وكيلي راد، الذي كان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة.
في هذه الأثناء، قال المحامي مسعود شافعي وكيل الأميركيين الثلاثة المحتجزين في إيران منذ تموز الماضي بتهمة التجسس، إن السلطات ستسمح لأمهاتهم بزيارتهم يوم غد الخميس أو الجمعة.
(أ ف ب، رويترز، مهر، يو بي آي)

نتنياهو يأمر بالصمت حيال «الهزيمة الإسرائيلية»
مهدي السيّد
أظهرت ردود الفعل الأولية الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليّين تعليقاً على الاتفاق النووي بين إيران وتركيا والبرازيل، قدراً كبيراً من الإرباك المصحوب بالقلق والانزعاج الشديدين، عكسته التعليمات الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى وزرائه بضرورة التزام الصمت في انتظار وضوح الموقف الدولي.
وبدا واضحاً أن الإرباك الإسرائيلي ينبع من الاعتقاد السائد في إسرائيل بأن إيران نجحت من خلال هذا الاتفاق في تنفيذ مناورة ترمي إلى إبعاد سيف العقوبات الدولية، من دون أن تضطر إلى رمي أوراقها القوية المرتبطة بمشروعها النووي. والأخطر من ذلك بالنسبة إلى إسرائيل أن الخطوة الإيرانية لاقت ترحيب العديد من الدول. ترحيب من شأنه كسر الإجماع الدولي الذي كانت تأمل إسرائيل أن تحقّقه الولايات المتحدة بخصوص العقوبات المتوقعة على إيران، الأمر الذي سيجعل الموقف الإسرائيلي أكثر ضعفاً في مواجهة الموقف الإيراني على الحلبة الدولية.
وانطلاقاً من تقدير نتنياهو لحراجة الموقف وحساسيته، وإدراكاً منه لخطورة بعض التصريحات التي يمكن أن تصدر عن وزراء حكومته «من أصحاب الأفواه الكبيرة»، سارع إلى إصدار تعليمات للوزراء في حكومته في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، طالبهم فيها بعدم التعقيب على موافقة إيران على اتفاق تبادل اليورانيوم. وعاد ليؤكد على طلبه هذا خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده أمس المجلس الوزراي السباعي للبحث في الاتفاق النووي الإيراني، والذي انتهى من دون صدور بيان رسمي، وبتعليمات جديدة من نتنياهو للوزراء بالتكتم، وعدم الحديث عن فحوى المواضيع التي نوقشت خلال الجلسة.
وعلى الرغم من التعتيم، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن وزراء السباعية ناقشوا موضوع الاتفاق النووي، مشيرةً إلى أن مستشار الأمن القومي عوزي أراد، تحدث خلال الجلسة عن تفاصيل الاتفاق النووي والردود الدولية عليه. وانتهت النقاشات، بحسب الصحيفة، إلى اعتبار الاتفاق مناورة إيرانية لتجاوز قضية العقوبات التي ينوي مجلس الأمن الدولي فرضها عليها.
ونقلت «هآرتس» عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن إسرائيل معنية بالانتظار لسماع آراء الأسرة الدولية بهذا الصدد وكيفية الرد عليه.
وكان مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قد اتهم طهران بـ «التلاعب» بتركيا والبرازيل عبر «التظاهر بقبول» تسوية بشأن مبادلة اليورانيوم المخصّب في تركيا.
وأكد المسؤول، لوكالة «فرانس برس»، رافضاً الكشف عن اسمه، أنّ «الإيرانيين سبق أن لجأوا إلى الحيلة نفسها عبر ادعائهم الموافقة على آلية كهذه لخفض التوتر ومخاطر عقوبات دولية مشدّدة، ومن ثم رفضوا الانتقال إلى التنفيذ».
وكانت قد سبقت تعليمات نتنياهو بعد التعليق على الاتفاق الإيراني، مواقف صدرت عن بعض المسؤولين الإسرائيليين. فقال نائب وزير الدفاع، متان فلنائي، إن «إيران تجهّز نفسها رغبة منها في حيازة أسلحة (نووية). إنها تتخذ خطوات بعيدة عن كونها دفاعاً عن النفس كما يقول رئيس البرازيل». وأضاف «نتابع الأمر ونتخذ القرارات وفقاً للتطورات».
وقال وزير التجارة والصناعة، بنيامين بن اليعزر، إن «إسرائيل لن تتمكن إلا بمرور الوقت من معرفة ما إذا كانت إيران تواصل اللعب بالعالم بأسره من خلال الاتفاق الجديد، أو أنها مستعدة لوضع قيود على أنشطة تخصيب اليورانيوم».
وعبّر بن اليعزر عن تفاؤل حذر بتدخل تركيا، وقال للإذاعة الإسرائيلية «من المؤكد أن تركيا قوة إقليمية عظمى. يعيش فيها 72 مليون نسمة. فهل سيكونون سعداء بأن تصبح جارتهم نووية... بالطبع لا».
وفي السياق، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأنّ تقديرات المسؤولين الإسرائيليين هي أنه سيجري إرجاء فرض عقوبات على إيران مرة أخرى، ونقلت عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين تهجّمهم على تركيا، وقولهم إنّ الحكومة التركية «خرجت عن طورها لمساعدة الإيرانيين على الإفلات من العقوبات».
ولوّح المسؤولون الإسرائيليون بأنه «إذا اتضح أن تركيا هي التي أنقذت إيران من مشنقة مجلس الأمن الدولي، فإن هذا الأمر سيضعها في مشكلة أمام إسرائيل، إذ من يساعد عدوي لا يمكنه أن يكون صديقي».
ورأت صحيفة «هآرتس» أن الاتفاق «أوجد قناة بديلة لخطوات الدول العظمى في قضية البرنامج النووي الإيراني»، وأنه من الناحية العملية، فإنّ الاتفاق «يسحب البساط من تحت أقدام جهود الولايات المتحدة لإنشاء جبهة دولية واسعة لتأييد العقوبات على إيران».
وعَدّ معلق الشؤون الأمنية في «هآرتس»، يوسي ملمان الاتفاق نصراً مهماً للدبلوماسية الإيرانية، وهزيمة للسياسة الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه يقلّل الاحتمالات، التي كانت منخفضة قبل ذلك أيضاً، لفرض عقوبات جديدة، ويبعد إمكان شنّ هجوم عسكري.
وقال معلق الشؤون العربية في «هآرتس»، تسفي برئيل، إن الصفقة تجعل إيران وتركيا شريكين استراتيجيّين دون مسّ بمكانة تركيا في حلف شماليّ الأطلسي. وأضاف «إذا اجتازت الصفقة التقلبات المتوقعة، فستحظى تركيا بمكانة جديدة كدولة وسيطة يمكنها استغلالها في نزاعات أخرى في المنطقة، وفي العملية بين إسرائيل وسوريا. وإذا انهارت الصفقة، وفُرضت عقوبات على إيران، فستتذكر تركيا أنها كادت تنجح في إحداث الصفقة، لكنها ستضطر آنذاك إلى مواجهة آثار العقوبات».