أثار قرار ألمانيا منع عمليات البيع والشراء «على المكشوف» في عدد من الأصول المالية حفيظة فرنسا والأسواق المالية الأوروبية، في وقت تستمر فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتوجيه النصح إلى الدول الأخرى اعتماداً على موازنتها لعام 2009
فرانكفورت ــ بسّام الطيارة
يعرف القاصي والداني أنّ «من يملك المال يملك القرار»، وهو ما أرادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التذكير به في رسالتها إلى النواب الألمان بقولها «إذا أرادت أوروبا المحافظة على اليورو فعليها الاقتداء بنا». أي بألمانيا واقتصادها القوي جداً الذي يساهم بـ«١٥٠ مليار يورو» في الآلية التي وضعها الاتحاد الأوروبي لإنقاذ منطقة الـ«يورولاند» بالتوافق مع صندوق النقد الدولي لدعم ميزانية دول منطقة اليورو، التي تعاني من ديون طائلة تعوق وصولها الى سوق القروض.
هدف «نداء ميركل»، كما بات يسميه المتابعون في العاصمة المالية فرانكفورت، هو «إنقاذ العملة الموحّدة ومعها المشروع الأوروبي». وكانت المستشارة «الآتية من الشرق» قد قالت إن «اليورو في خطر، وإن لم نتدارك هذا الخطر، فإنّ العواقب على أوروبا لا حصر لها».
وفيما رأى البعض أنّ هذا النداء هو بمثابة «دفاع» عن مشروع القانون بشأن مشاركة ألمانيا في الخطة الأوروبية بمئات مليارات اليورو، في ظل تردد المصرفيين وأوساط المال الألمان، رأى آخرون أنّه «جردة واقعية» إذ إنّ الاقتصاد الأوروبي على قوته ومتانته يعتمد بقوة على «الهنترلاند» الأوروبي، أي السوق المحيطة بها.
ومثل «معلم المدرسة»، رفعت ميركل إصبعها متوجهة إلى الأوروبيين لتقول «أريد أن تتعهد أوروبا باعتماد ثقافة استقرار جديدة»، ودعتهم إلى اعتبار بلادها «خير نموذج» عن هذه السياسة. وفي محاولة لاستيعاب القلق من «تحرك الجبروت المالي الألماني»، تابعت متوجهة إلى الدول الأوروبية الصغيرة «إنّ القوانين يجب ألا تكون موجهة نحو الأكثر ضعفاً، بل نحو الأكثر قوة». وهي أرادت بذلك توجيه رسالتين، الأولى طمأنة الدول الصغيرة مثل اليونان، أما الثانية فموجهة إلى فرنسا، وخصوصاً الرئيس نيكولا ساركوزي الذي تقول التسريبات إنّه هدد خلال القمة الأخيرة بسحب فرنسا من منطقة اليورو ما لم توضع آلية إنقاذ يشارك فيها الجميع «وخصوصاً ألمانيا».
وترى برلين أنّ على باريس أن تهتم بهيكلية ماليتها، إذ تبلغ قيمة الدين العام 44.4 مليار يورو أي ٦٧ في المئة من الناتج القومي، ما يزيد بقليل على السقف الذي تحدده المعاهدات الأوروبية، وهو ٦٠ في المئة.
والواقع أنّ ألمانيا تعتمد على قيمة دينها العام لسنة ٢٠٠٩ لتوجيه «النصح والدروس» إذ بلغ ٤٥ ملياراً أي 58.1 في المئة. إلا أنّ عجزها المالي المتوقع لهذه السنة يقارب ٧٣ في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ورغم أنّها بعيدة جداً عن واقع اليونان («١١٥ في المئة) أو إيطاليا (١١٦ في المئة)، إلا أنّه نظراً إلى قوة الاقتصادين الألماني والفرنسي، اللذين يمثّلان قاطرة الاقتصاد الأوروبي، فإنّ خطورة أي «كبوة» منهما يمكن أن تكون كارثة. وقد أقرّت ميركل بهذا الأمر بقولها «نحن أيضاً نعيش على الدين». لكن ميركل لم تتردّد في استعمال «لغة التهديد التي سادت قبل قمة بروكسل». وأوضحت أنّه إذا استمر المخالفون في «العيش فوق قدراتهم»، فثمة بعض الطرق لمعاقبتهم، ومنها منعهم من الوصول الى الصناديق الأوروبية وسحب حقوق التصويت في المؤسسات الأوروبية (أي إجراء سحوبات ضمان)، وصولاً في أقصى الحالات الى «إعلان إفلاس» الدول التي تخرج عن التوافق الأوروبي. وطالبت بـ«وضع آلية مخصصة لهذا الأمر».
وعلمت «الأخبار» أنّ وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله سيعرض هذه المقترحات على نظرائه الأوروبيين اليوم في بروكسل.
وردّت وزيرة المال الفرنسية كريستين لاغارد على «الإعلانات الآتية من برلين» بقولها «لا أعتقد إطلاقاً أنّ اليورو في خطر. اليورو عملة قوية وموثوق بها»، علماً بأنّ اليورو سجل تراجعاً بفعل تصريحات ميركل.
وأوضحت لاغارد أنّها تدعم خطط ميركل لاتخاذ سلسلة من الإجراءات لدعم اليورو، لكنّها أكدت أنّ فرنسا لن تحذو حذو ألمانيا لفرض حظر على عمليات البيع على المكشوف للديون السيادية، إذ إنّ الإجراءات التي اتخذتها برلين في حظر بعض التعاملات في سندات الدولة وأدوات التغطية المالية أثارت باريس وكذلك الأوساط المالية في فرانكفورت، وإن حظيت بدعم رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو. وتصف الأوساط المالية في أوروبا سلسلة الإجراءات بأنّها «حرب على المضاربين» بمنعها عمليات «السواب»، أي البيع والشراء «على المكشوف» في عدد من الأصول المالية، ما دفع بالأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوى إغلاق لها في نحو أسبوعين، متأثرة بخسائر أسهم المصارف وسط توتر بين المستثمرين في أعقاب هذا الحظر.