مرّت 43 عاماً على تسليم الضابط في الجيش البوليفي آنذاك، غاري برادو سالمون، الثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا إلى السلطات التي أعدمته. اليوم، يعود سالمون إلى الواجهة مع اعتقاله ومجموعة آخرين، بتهمة التخطيط لاغتيال قيادات بوليفية
بول الأشقر
دخل غاري برادو سالمون التاريخ عام 1967 لأنّه كان يقود القوى النظامية البوليفية التي اصطدمت مع مجموعة حرب العصابات التي كان يتقدمها إرنستو تشي غيفارا في منطقة نيانكاوازو. وقد اعتُقل الزعيم الثوري بعدما أصيب بقدمه، فيما تعطلت بندقيته. في اليوم التالي، بعد وصول الأوامر من وكالة الاستخبارات المركزية، جرت تصفية تشي غيفارا في بلدة لاهيغيرا في الثامن من تشرين الأول.
برادو اليوم جنرال متقاعد من الجيش البوليفي، وهو مشلول منذ أن أصيب برصاصة في عموده الفقري خلال محاولة انقلابية قام بها في أواسط الثمانينيات.
قبل ثلاثة أيام، استجوبته القاضية بيتي يانيكز هو واثنين من زملائه، وهما رجل أعمال ومسؤول سياسي محلي. بعد استجوابهم، أمرت باعتقالهم في منازلهم. أما التهمة، فلا تمت بصلة إلى تشي غيفارا، بل بتورطهم مع مجموعة متهمة بارتكاب أعمال عنف في بوليفيا وبالتخطيط لاغتيال عدد من الشخصيات السياسية، من بينها الرئيس إيفو موراليس، وأيضاً عدد من شخصيات المعارضة.
تأسست المجموعة خلال عام 2008 في أوج الاضطرابات التي واكبت الحركة الناشطة آنذاك في الولايات الشرقية لتنظيم استفتاءات على الحكم الذاتي. واستغلت ذلك بعض الجماعات المتطرفة للترويج لأفكار انفصالية مفادها حالة تقسيمية مركزها سانتا كروز، أكبر وأغنى مدينة بوليفية، تحركها فكرة أنّ الأكثرية الهندية قد تسلمت السلطة مع وصول إيفو موراليس إلى الرئاسة وأنّ التعايش مع الحكام الجدد مستحيل برأيهم. ووجدت هذه الدعوة آذاناً مصغية لدى مجموعات عديدة من اليمين المتطرف، ولا سيما الأرجنتينية، التي رأت في الوضع البوليفي فرصة لوقف نمو اليسار في أميركا الجنوبية ووصوله إلى السلطة في عدد متزايد من الدول. كذلك رأى أتباعها وممولوها من بعض نخب سانتا كروز في انقسامات المجتمع الإثنية والمناطقية والاجتماعية، الساحة المثلى لتطوير استراتيجية توتر، محورها تفجيرات وعمليات اغتيال. ومعروف أنّ ثلثي البوليفيين يعيشون تحت خط الفقر وثلثاهم من الهنود، وبوليفيا هي البلد الوحيد في أميركا الجنوبية الذي لا تزال الشعوب الهندية تمثّل الأكثرية المطلقة من سكانه.
في نيسان 2009، وقع تفجيران في بوليفيا في اليوم نفسه، واحد في منزل وزير في لاباز، وآخر في مقر مطرانية مدينة سانتا كروز. يومان بعد التفجير الثاني، وفي إطار التحقيقات حوله الذي كان الرأي العام ينسبه إلى الموالاة، اقتحمت مجموعة من الجنود فندقاً في سانتا كروز، وقضت على ثلاثة من نزلائه، على الأرجح وهم نائمون. وحصلت على وثائق محيّرة بإيديولوجيتها إضافة إلى خرائط لعدد كبير من الأهداف. وتبيّن أنّ القتلى الذين كانوا مسلحين هم بوليفي ـــــ كرواتي اسمه روزا فاوريس وشريكاه، أحدهما مجري ـــــ كرواتي والآخر إيرلندي. روزا فلوريس، قائد المجموعة، صحافي وشاعر وسينمائي بدأ عمله المهني صحافياً شيوعياً في موسكو قبل أن يشارك في حرب البلقان مع كرواتيا ويعتنق إيديولوجيا قومية يمينية متطرفة.
وبعد يومين من مقتل زعيم المجموعة، اعتُقل رجلان، أحدهما بوليفي يحمل جواز سفر كرواتياً، والآخر مجري كانا يحاولان مغادرة البلد، وهما اللذان أعطيا التفاصيل الأساسية عن المجموعة وخططها. ما علاقة غاري برادو بالموضوع؟ تبيّن أنّه عمل مستشاراً لهذه المجموعة، ويدلّ التحقيق كذلك على أنّ نجله كان على علاقة وثيقة بفلوريس زعيم المتطرفين.