نيويورك ـ نزار عبود خاص بالموقع- استطاعت الولايات المتحدة ومصر أمس، إنقاذ الصيغة النهائية لبيان مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي 2010 في نيويورك، من الفشل، بعد اتفاقهما على مسعى يقضي بالضغط على إسرائيل لتتخلّى في نهاية الأمر عن أيّ قنابل ذرية لديها. وأقرّ البيان الختامي بالإجماع.
وأفاد مبعوثون دوليون حضروا المؤتمر الذي بدأ أعماله في 3 أيار الحالي، وكالة «رويترز»، أنه من غير الواضح ما إذا كانت إيران ستحاول من جانب واحد تعطيل الاتفاق بشأن إعلان ختامي اتفقت عليه الآن باقي الدول الموقّعة على الاتفاقية.
ودعت أحدث مسودة للإعلان الختامي للمؤتمر، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى تنظيم اجتماع يضم كل دول الشرق الأوسط في 2012 بشأن كيفية جعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وفق ما طالب به قرار صدر في 1995.
كذلك دعت إسرائيل إلى توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بمنع الانتشار النووي، وهي فقرة كانت ترغب الولايات المتحدة في حذفها.
وقال موفدون لـ«رويترز»، إنّ الأميركيين تنازلوا في النهاية لإنقاذ المؤتمر.
وأوضحت الفقرة الخامسة من بند الشرق الأوسط أن «المؤتمر يشير إلى تأكيد مراجعة عام 2000 أهمية انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ووضع كل منشآتها النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضماناتها. ويشدّد المؤتمر على الحاجة الملحّة إلى تحقيق شمولية المعاهدة» وعلى أهمية ذلك.
كذلك طالبت المسودة، دول الشرق الأوسط التي لم تنضم إلى المعاهدة حتى الآن بالانضمام كدول غير نووية في أقرب تاريخ ممكن، بهدف تحقيق الشمولية.
وعلمت «الأخبار» أن المجموعة العربية وافقت على الوثيقة الختامية رغم مآخذها الكثيرة عليها، لإلقاء تبعة الفشل على الولايات المتحدة.
وكان مندوب إيران لدى وكالة الطاقة، علي أصغر سلطانية، قد حذّر من «مأزق خطير» نتيجة تصلّب الدول النووية تجاه مطالب كتلة عدم الانحياز في المؤتمر. وقال في حديث إلى «الأخبار»، إنه منذ افتتاح مؤتمر المراجعة في 3 أيار، واجه العالم تحدياً حقيقياً بين الدول النووية والدول غير النووية. وحدد مطالب الدول غير النووية التي تمثّلها كتلة عدم الانحياز المؤلفة من 116 دولة بثلاثة أمور أساسية: «الأول تحديد أجل زمني لا يتعدى عام 2025 للإزالة التامة للأسلحة النووية من العالم. والثاني بدء التفاوض على معاهدة نووية، والثالث يقضي بوضع آلية ملزمة غير مشروطة بتأكيد عدم مهاجمة أي دولة لا تمتلك الأسلحة النووية. بل يتعيّن على الدول النووية منحها ضمانات بعدم المهاجمة».
وأضاف المندوب الإيراني إنه لسوء الحظ، فإن الدول النووية أظهرت تصلّباً في رفضها حيال الشروط الثلاثة، لذا «نواجه مأزقاً خطيراً وعقبات».

وشرح سلطانية اقتراح بلاده حيال كيفية تطبيق قرار الشرق الأوسط الذي تبنّاه مؤتمر المراجعة الذي عقد عام 1995، القاضي بتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي. فقال: «اقترحت في الاجتماع أنه في موعد لا يتجاوز عامين اثنين منذ اليوم، لا بد من دخول إسرائيل فوراً إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا بد من إخضاع نشاطاتها النووية كلها للضمانات».
وخلص المسؤول النووي الإيراني إلى أنه «نتيجة تلاشي الخطر النووي، يمكن اتخاذ خطوات نحو السلام والازدهار في الشرق الأوسط».

وكان المندوبون العرب قد عقدوا اجتماعاً مع الأميركيين قبل الجلسة بساعات، بسبب رفض الأخيرين ذكر اسم إسرائيل في البيان الختامي، ولتوجيه الدعوة إلى الدولة العبرية لكي تنضم إلى المعاهدة التي وقّعت عام 1970، بعد إخضاع منشآتها وترسانتها النووية لوكالة الطاقة، حسبما ذكر مصدر دبلوماسي حضر المفاوضات.
رفضٌ كان يعني فشلاً شبه متيقّن بالنسبة إلى المؤتمر المتأرجح على الشفير. وفشله سيكون الثالث على التوالي، مبدّداً أيّ أمل في المضي قدماً في مشاريع نزع السلاح وتخليص العالم من أخطاره.
لكن السفراء العرب آثروا الصمت، وحملوا مسوّدة الإعلان الختامي التي تأخّر توزيعها بسبب تعب المطابع وإرهاق المراجعين. وتوجهوا ليلاً لدراسة 30 صفحة من وثيقة قانونية أعدّت للتصويت عليها في الجلسة الختامية.
وفي قاعة المؤتمر، كان النشاط الدبلوماسي السوري المصري لافتاً، ولوحظ التفاعل الإيجابي بين الوفدين الإيراني والمصري الذي أغاظ الكثيرين ممن كانوا يحلمون بصراع بينهما في الميدان، لا على المستويات الدبلوماسية فقط. وتمثّلت مصر وإيران بوفدين تميّزا بكبر الحجم والفعالية والحماسة في العمل، وغابت صورة استفراد إيران وجعلها كبش محرقة في الشرق الأوسط بديلاً من إسرائيل النووية،
ولم يظهر أي خلاف بين مندوب إيران سلطانية ومندوب مصر لدى الأمم المتحدة المصري ماجد عبد الفتاح، الذي يرأس أيضاً كتلة عدم الانحياز.
وفيما رفض المندوبان السوري والمصري الإدلاء بأية تصريحات في هذه الساعات الحرجة خشية تحمّل ملامة فشل المؤتمر، أو ربما في انتظار مواقف نهائية صريحة من القاهرة ودمشق، لم يكن سلطانية يحتاج إلى أي تعليمات من طهران، فتحدث بحرية شديدة، من دون استثناء أي وسيلة إعلامية عربية أو أجنبية قصدته. وكذلك فعل مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، وإلى جوارهما كان المراسلون الإسرائيليون يسترقون السمع باهتمام بالغ ليحلّوا محل الدبلوماسية الإسرائيلية الغائبة جسدياً عن المؤتمر، والمتمثلة بكتل سياسية ضخمة تمتد من أوستراليا إلى كندا.