النزاعات في القارة السمراء وأزمة مياه النيل على مائدة اجتماع نيس باريس ــ بسّام الطيارة
افتتح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، القمّة الفرنسية الأفريقية الـ٢٥ في مدينة نيس، حيث طالت المناقشات «النزاعات والأمن في أفريقيا»، وتناولت بؤر التوتر العديدة من السودان والتشاد وإثيوبيا وأريتريا في الشرق إلى الكونغو ومناطق البحيرات في أفريقيا الوسطى والتوتّر في أوغندا، إضافةً إلى ملف «مياه النيل».
وسيكون ملف القرصنة، وفي ظلّه عملية «أتلاند» للحلف الأطلسي، حاضراً بقوة في هذه القمة، إضافةً إلى ملفات مثل «الهجرة غير المشروعة» وسبل محاربتها، التي يستعد عدد من الزعماء لإثارتها، إذ إنّ التعاون في مجال «تنظيم الهجرة الآتية من الجنوب» الذي أسس له ساركوزي قبل سنوات عندما كان وزيراً للداخلية، كان مبنيّاً على مبدأ «أعطيني لأعطيكِ» (donnant donnant)، أي إن دول الجنوب تتعهّد إقفال أبواب الهجرة قدر المستطاع في مقابل أن تتعهد باريس تنظيم «الهجرة المقبولة»، والعمل على «تسهيل دمج العائلات»، بحيث تسمح للمهاجر باستقدام عائلته «في ظروف إنسانية».
ويراقب عدد من البلدان «المصدّرة لليد العاملة» إلى فرنسا، بقلق كبير، «الشحن العنصري» الذي تعيشه جالياتها، وخصوصاً الآتية من المغرب العربي وبعض الدول الأفريقية التي كانت مستعمرات فرنسية سابقة.
وقد تكون «الصدفة خير من ألف ميعاد»، ففي الوقت الذي يجتمع فيه زعماء القارة، وبينهم رؤساء وممثلو تسع دول عربية، صدرت دراسة لجمعية «النجدة عنصرية» (SOS Racisme)، تشير إلى ازدياد هامش «الخطاب العنصري» في فرنسا، الذي يذهب ضحيته المواطنون من أصول عربية أو أفريقية، وبدرجة أقل المواطنون من الطائفة اليهودية.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الجمعية، دومينيك سوبو، أن نسبة «الآراء المسبّقة ضد العرب والأفارقة واليهود والمثليّين» ترتفع بناءً على استفتاء قامت به (SOS Racisme) بالتعاون مع منظمة الطلبة اليهود في فرنسا.
ويرى مسؤولون في الجمعية أنه بعد سنة من التركيز الإعلامي على «العرب والمهاجرين والإسلام»، تضاعفت النظرات السلبية للفرنسي العادي تجاه مواطنين ينتمون إلى هذه الفئات. إذ إنّ نسبة الذين يرون «في كل عربي جانح بالقوة» ارتفعت من ١٢ في المئة (٢٠٠٩) إلى ٢٧ في المئة، كما أن ٤٩ في المئة من الفرنسيين يعتقدون أن «الأجانب والمهاجرين يعرفون الاستفادة من الضمانات الاجتماعية أكثر من المواطنين الفرنسيين الأصليين» وهو أحد شعارات اليمين المتطرف.
وفي سجلّ آخر لا يزال ٢٨ في المئة يعتقدون أن «الأفارقة أقوى من البيض» جسدياً، وأن ٣٠ في المئة واثقون بأنّ «اليهود لهم نفوذ في عالمَي المال والإعلام»، بينما ارتفع عدد الذين «يعلنون أنهم معادون للمثليّين»، من ٨ إلى ١٢ في المئة، وفي المقابل تراجعت حرية التعبير عن المثلية فبات عدد الذين يجهرون بمثليتهم 4 في المئة، بعدما كان 8 في المئة.
ويرى ناشطون في هذه الأرقام «خطراً على المجتمع الفرنسي»، وأن ابتذال الأفكار العنصرية «ينذر بزرع الشقاق فيه»، إذ إن ٣٢ في المئة من الفرنسيين باتوا «لا يعترضون على المواقف أو التعابير العنصرية» وبالتالي تراجعت «قدرة الفرنسي على السخط» والانزعاج أمام تصرفات عنصرية تمسّ المواطنين. ويجزم عدد متزايد من المراقبين بأنّ فتح ملف الهوية، بالتوازي مع الحملة على البرقع في الوقت الذي تجتاز فيه فرنسا أزمة مالية قوية مع حال

تراجعت قدرة الفرنسي على السخط والانزعاج أمام التصرفات العنصرية

ركود اقتصادي يرافقها تراجع رهيب للقدرة الشرائية، وارتفاع في نسبة البطالة، جعل شرائح واسعة من المواطنين تبحث عن كبش محرقة لمآسيها اليومية، متناسيةً أن هذه الطوائف والجماعات تشاركها ليس فقط في المواطنة بل أيضاً في مآسيها، وأنها بسبب هذه الكليشيهات تدفع ثمناً مزدوجاً، فنسبة البطالة بين المواطنين من أصول مهاجرة (عرب وأفارقة) هي الأعلى في المجتمع الفرنسي وتبلغ ضعف نسبة بطالة «ذوي الأصول الفرنسية». وحسب آخر أرقام متوافرة (لعام ٢٠٠٨)، كانت النسبة للرجال 12.7 في المئة (مقابل 6.2 في المئة) بينما تبلغ هذه النسبة 14.3 في المئة للنساء (مقابل 7.6 في المئة). كما أن ٣٩ في المئة من المهاجرين الآتين من أفريقيا أو المغرب العربي يعملون في مرافق لا تتطلّب تأهيلاً، في مقابل ١٩ في المئة من المواطنين الفرنسيّين يعملون في هذه المهن نسبة ٧٩ في المئة منهم من أصول مهاجرة.
وتلحظ مؤسسة الإحصاء الفرنسية أن المهاجرين حاملي الشهادات العليا، يقضون فترات طويلة قبل إيجاد وظيفة تتجاوز ثلاثة أضعاف فترات التي يقضيها الفرنسي بسبب عدم الاعتراف بالشهادات الجامعيّة التابعة لبلدان المهجر، إضافةً إلى «النظرة العنصرية» التي ترافقهم خلال بحثهم عن فرص عمل. وهي بحسب المؤسسة «محصورة بالأفارقة وبالمغاربة» الذين ما زالوا يحتلّون أعلى النسب بين المهاجرين إلى سوق العمل الفرنسية.