باريس ــ بسّام الطيارةتميزت ردة الفعل الدبلوماسية الفرنسية التي أدانت «استخدام القوة غير المتكافئة» في العملية العسكرية الإسرائيلية ضد أسطول الحرية بثلاثة عوامل.
الأول هو الارتفاع التدريجي لنسبة الإدانة بانتظار تعليق من شواطئ البحر المتوسط، حيث الرئيس نيكولا ساركوزي يرأس القمة الفرنسية الأفريقية. أما العامل الثاني، فكان عودة استعمال توصيف «استخدام القوة غير المتكافئة» لساركوزي، وهو تعبير خرج أصلاً من الدول التي طبّعت مع إسرائيل خلال الانتفاضتين الأولى والثانية لإدانة العنف الإسرائيلي من دون المس بمعاهدات السلام الموقعة مع الدولة العبرية. بينما غيّب العامل الثالث البعد «غير القانوني» للاعتداء الإسرائيلي على نشاط إنساني من جهة، وخرق الحصانة المائية في أعالي البحار، رغم وزن هذا البعد اليوم في العلاقات الدولية في منطقة المتوسط، وعلى نحو خاص في علاقات أوروبا مع تركيا.
وضمن هذا السياق، أدان ساركوزي الهجوم الإسرائيلي على قافلة المساعدات الإنسانية. مع ذلك، تردد بالذهاب بعيداً في المطالبة بلجنة تحقيق واكتفى بطلب «إلقاء الضوء كاملاً» على ما وصفه بـ«المأساة».
ورأى أن وقوع الضحايا من العواقب «المأسوية» للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد ما وصفه بـ«أسطول السلام»، في حين أن وزير الخارجية برنار كوشنير أعرب في بيان عن «صدمته العميقة». وأوضح أن «لا شيء يبرر استخدام قوة مماثلة»، وأن هذه المأساة تشير إلى الضرورة الملحة لتحريك عملية السلام. وبعد تقديم تعازيه لذوي الضحايا، طالب كوشنير بإجراء تحقيق في الحادث. وأشار مواربةً إلى أن بعض الفرنسيين كانوا على متن السفن المتوجهة لكسر الحصار بقوله «إن وزارة الخارجية تعمل إلى جانب المواطنين الفرنسيين المشاركين في هذه العملية». وكان المدير المساعد للإعلام في وزارة الخارجية رومان نادال، قد ذكر رداً على سؤال لـ«الأخبار» بأنه «ليس بين الضحايا فرنسيون»، وأكد أن الكي دورسيه سوف يستدعي السفير الإسرائيلي في باريس، دانيل شيك، لطلب «تفسير حول الهجوم المميت».
وقد أثار الانتباه تصريح الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم «التجمع من أجل أكثرية شعبية»، فريديريك لوفيبر، المعروف بمواقفه المتطرفة. ووصف الهجوم الاسرائيلي بأنه «ردة فعل زائدة عن اللزوم» وجاءت رداً على «استفزازات من قبل المؤيدين للفلسطينيين». ورأى أن هذا التصرف «ليس حكيماً».
أما الحزب الاشتراكي، فقد طالب الناطق الرسمي باسمه، بنوا هامون، بـ«اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي». ووصف العملية الاسرائيلية ضد الأسطول المتوجه إلى القطاع بأنها «غير مقبولة» وتأتي «لحصار غزة».
بدوره، عبر رئيس مجموعة الخضر، «النائب الأحمر» دانيال كوهين، عن إدانته لقيام إسرائيل بـ«الاستخدام المفرط للقوة» لمواجهة مبادرة سلمية تهدف إلى إيصال مساعدات إنسانية لسكان غزة وهم بأشد الحاجة إليها. وطالب الاتحاد الأوروبي بـ«ممارسة ضغط حقيقي» على إسرائيل من أجل فك الحصار المفروض على القطاع، وإجراء تحقيق دولي موسع.
ويتوقع المزيد من ردود الفعل بعد التظاهرة التي يحتشد لها عدد غفير من مؤيدي الفلسطينيين. وحسب بعض الأوساط، يستعد عدد من موقّعي «نداء العقل» «جي كول» للانضمام إلى المحتجين أمام السفارة الإسرائيلية.
ويقول خبير مقرب من ملف الصراع الإسرائيلي العربي، إن «تل أبيب وقعت بفخ عنجهيتها هذه المرة». وطالت على نحو مباشر أنقرة وأدخلتها عنصراً في عناصر الصراع. ويؤكد المصدر أن «انزلاق علاقة الدولة العبرية مع تركيا إلى هذا الدرك مضرّ جداً لأوروبا عموماً ولفرنسا خصوصاً». فهو أولاً يضعف كل «المقاربات الإيجابية» التي تحاول أوروبا عبرها «تصوير تركيا على أنها أوروبية من دون أن تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي»، وهو ما يحاول ساركوزي «بيعه من أنقرة» مع إبقاء علاقة «أكثر من جيدة مع صديقه «بيبي» (رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو) والدولة العبرية. ويضيف إن هذا الهجوم سوف يزيد من شد أواصر «الحلف السوري الإيراني التركي» وهو ما تحاول باريس بقوة «حلحلته بطريقة براغماتية ولكن شاقة». يضاف إلى ذلك، حسب المصدر أن تركيا «القوة البحرية السابقة» التي دخلت نزاعات عديدة على مر تاريخها للمحافظة على «حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط» تجد نفسها بعد هذا الهجوم كأنها «عادت رجل أوروبا المريض». وينهي الخبر قوله بالطبع «لن تقبل أنقرة اللاعب الأساسي في الحلف الأطلسي» التخلي عن موقعها من أجل «بلطجة إسرائيلية» ذهب ضحيتها ١٥ مواطناً من «بني عثمان».