كأنّ ذيول الحرب الباردة لا تزال راسخة في أذهان بعض الروس والأميركيين. تظلّل عقولهم نظرية المؤامرة، التي تُحاك بمجرد أن يُقتل طفل روسي على يد عائلة أميركية تبنّّته. فكيف إذا وصل عددهم إلى 15؟
ربى أبو عمّو
يجهل طفلٌ في السابعة من العمر، روسياً كان أو أميركياً، نزاع واشنطن وموسكو حول الدرع الصاروخية الأميركية. يجهل سنوات الحرب الباردة الطويلة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وبقدر جهله لاعادة الرئيس الأميركي باراك أوباما تشغيل مفتاح العلاقات بين البلدين، يُدرك رغبته في اللعب، والعيش في كنف عائلة ترعاه وتؤمن متطلباته.
بعض أطفال روسيا مشردون، أيتام، أو تخلت عنهم عائلاتهم لأسباب شتى. فاستولت عليهم وكالات متخصصة تعمل على تأمين تبنيهم. هكذا، وقع اختيار عائلات أميركية على بعضهم. فانتقلوا من التقاليد الشرقية إلى الغربية.
عاديٌّ أن تتبنى عائلات أميركية مقتدرة أطفالاً روساً. ليس هذا حدثاً غريباً. إلاّ أن حادثة مقتل الطفل الروسي ايفان سكوروباغاتوف، الذي تبنته عائلة أميركية عام 2003، أطلقت القومية الروسية مجدداً في وسائل الاعلام، التي أحصت عدداً من حوادث قتل الأطفال الروس على أيدي عائلات أميركية.
بثت القناة الروسية الأولى في شباط الماضي تقريراً عن اعتقال الشرطة الأميركية عائلة تسببت بمقتل ايفان، طفلها بالتبني، نتيجة التعذيب وسوء التغذية. وزاد الوضع تأزماً عدم ابلاغ السلطات الأميركية نظراءها الروس بحادثة الوفاة ضمن المهلة القانونية الني يحددها القانون الدولي.
ينتمي الأبوان نانيت وميشال كرايفر إلى ولاية بنسلفانيا، وقد تبنيا ايفان الذي صار اسمه ناتانيال، وشقيقته التوأم، عام 2003. ويوم 20 آب الماضي، أدخل ايفان إلى المستشفى بعدما وجده ميشال مستلقياً على السرير، عاجزاً عن الاستجابة، ليتوفى بعد أربعة أيام. وبعد إعلان نتائج التشريح الطبي، وإصدار أمر الاعتقال، علم الروس بالأمر. ولم يكن من خيارات أمام المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ايغور لياكن فرولوف، سوى الاعلان أن حالات «الأطفال الذين يموتون في كنف أسر أميركية أصبحت منتظمة في الآونة الأخيرة».
بدأت حالات وفاة الأطفال الروس في دول أجنبية منذ سنوات طويلة خلت. وإذا أُطلق العد منذ عام 1996 وحتى اليوم، تظهر النتائج مقتل ما لا يقل عن 15 طفلاً روسياً على أيدي آبائهم بالتبنّي، منهم 14 طفلاً في الولايات المتحدة، وواحد في كندا. ويذكر أن نحو نصف الأطفال الـ15000 الذين يجري تبنّيهم في روسيا سنوياً، يذهبون إلى الخارج. وتظهر احصاءات وزارة الخارجية الأميركية أن الأسر الأميركية تبنّت 3706 أطفال روس عام 2006، بانخفاض ملحوظ عن 5836 طفلاً عام 2002.
ويشير عدد من التقارير الصحافية إلى أن سبب انخفاض نسبة تبني الأميركيين للروس يعود إلى الصراع بين الوكالات المتخصصة برعاية الأطفال والسياسيين، وخصوصاًَ بعد مقتل عدد من الأطفال الروس على أيدي عائلاتهم الأجنبية. فبات مجلس الدوما يدقق في عمل وزارة التربية والتعليم، التي تشرف على تأمين تبني الاطفال الروس. حتى إن الدوما اتهم الوزارة بالفساد وجني المال الوفير في مقابل بيع الأطفال. وحالياً، أوقفت السلطات الروسية قبول طلبات جديدة من وكالات التبني الأميركية.
ويقول مسؤولون في موسكو إن الوكالات الاميركية، التي ترتب عمليات التبني، يجب أن تسعى الى اعادة اعتمادها في روسيا من خلال اجراءات تتطلب حصولها على موافقة 5 وزارات. وتشير بعض التقارير الصحافية إلى أن هذا التدقيق نابع من رغبة السلطات الروسية في إبقاء اطفالها في روسيا، بسبب مشكلة النقص في عدد السكان.
ويمكن القول إن انتقاد مجلس الدوما لوزارة التربية والتعليم يشير إلى وجود جناح مافيوي قوي داخل السلطة الروسية، يتاجر بالأطفال الروس لقاء مبلغ يراوح بين 25 و50 ألف دولار للطفل الواحد، من دون التدقيق في أوضاع العائلة الراغبة في التبني.
أما الحديث عن مؤامرة تقودها بعض العائلات الأميركية، فيبدو غير دقيق، إذا أخذنا في الاعتبار عدد الأطفال الروس الذين يعيشون حياة جيدة في الولايات المتحدة.
ورداً على مقال نشرته صحيفة «برافدا» الروسية في نيسان 2005، تحت عنوان «الأميركيون يتبنون الأطفال الروس فقط لقتلهم»، علقت إحدى الفتيات الأميركيات قائلة إن «أهلها تبنوا طفلتين روسيتين في غاية الجمال عام 2002. وتدرك أختاها جيداً الفرص الهائلة التي تتمتعان بها بعد انتقالهما إلى الولايات المتحدة».