الإليزيه يعلن الحرب على الشائعات لاحتواء «التمرّد» في الحزب الحاكم!باريس ــ بسّام الطيارة
تسعى عقيلة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كارلا بروني، منذ يومين، إلى إثبات إمكان «وجود دخان من دون نار». ولا تتعلق هذه الجدلية بالشائعات التي تناولت وضع زواجها والزعم عن علاقة متوترة مع الرئيس، ولكنها تصبّ في نفي «وجود مؤامرة لإيذاء» زوجها.
فقد قلّلت كارلا من شأن الحديث عن مؤامرة، ووصفتها بأنها «سخيفة»، رغم أن مدعياً عاماً قد فتح تحقيقاً في مصدر الشائعات عن توتر العلاقة الزوجية الرئاسية. شائعة انطلقت من مدوّنة على موقع صحيفة واسعة الانتشار نهاية الأسبوع هي «جورنال دو ديمانش». كما أن رئيس المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية (الأمن القومي)، برنار سكارسيني، أعلن أنه «فتح تحقيقاً عن مصدر الشائعات التي تحدثت على شبكة الإنترنت عن الحياة الشخصية للزوج الرئاسي». وبرر هدف التحقيق بأنه «لتحديد ما إذا كانت هذه الشائعات تخبّئ محاولة زعزعة».
وبالطبع فإن اللجوء إلى الاستخبارات يعني وضع «كل الإمكانات التقنية المتطورة» في خدمة هذا التحقيق.
وقد انتقل التحقيق من ظل العمل الاستخباري إلى دائرة القضاء، بعدما رفعت الصحيفة صاحبة موقع المدونة «مصدر الشائعة» دعوى ضد مجهول، بعد تدخل قوي جداً من مسؤولي الإعلام في الإليزيه.
وظهرت بلا أدنى شك رغبة لدى الإليزيه في التصدي لحملة الشائعات لأنها «تتجاوز دائرة البابارازية»، فكلف الخبير الإعلامي بيار شارون ومحامي ساركوزي الشخصي تيري هيرتزوغ القيام بحملة مضادة، ففجّرا عاصفة إعلامية هذا الأسبوع بأن رجّحا كون الشائعات نتيجة «مؤامرة تهدف إلى تقويض رئاسة ساركوزي».
هرتزوغ هدد يميناً ويساراً برفع دعاوى، بينما خرج شارون إلى واجهة الإعلام، معلناً عن «حرب، حتى ينتقل الخوف إلى الجبهة الأخرى».
إلا أن الإليزيه سرعان ما أعاد تصويب استراتيجيته وأرسل إلى كارلا بروني الواجهة. وقالت بروني، في مقابلة مع محطة «أوروبا ١» الإذاعية بعدما أوضحت أنها تتحدث باسمها واسم زوجها، أن هذه القضية «اكتسبت أبعاداً أجدها سخيفة». وشدّدت على أن هذه الشائعات «غير مقبولة»، ولكنها أشارت أيضاً إلى أنها «غير ذات أهمية لنا على الإطلاق».
واستطردت بروني «لا أرى أننا ضحايا أيّ مؤامرة. ليس هناك انتقام»، في إشارة إلى ما تحدثت به الصحف من أنه «جرى الانتقام من وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي» لكون بعض الشبهات قد تحدثت عن وقوفها وراء الشائعات.
رغم هذا فإن السجال لا يزال بعيداً عن فصل الختام، إذ إن أحد مسؤولي موقع «جورنال دو ديمانش» كشف، قبل أن يقدم استقالته، عن أن موظفاً صغيراً هو الذي وضع «الخبر» على مدونة الموقع، وأنه جرى صرف هذا الموظف، فكتبت إدارة الصحيفة رسالة اعتذار للإليزيه، ما استفز الصحافيين العاملين في الأسبوعية، وأعاد تسليط الأضواء على أن هذه الوسيلة الإعلامية تابعة لمجموعة «لاغاردير»، والمساهم الكبير فيها هو أرنو لاغاردير «المقرب جداً من ساركوزي»، ما يمكن أن ينذر بعاصفة على جبهة جديدة.
وتساءل عدد من المراقبين ما إذا كانت استراتيجية الإليزيه المضادة للشائعات عن الحياة الزوجية للرئيس هي التي أطلقت فكرة «المؤامرة» أم أن تحرك رجال الإليزيه هو بالفعل للتصدي لمؤامرة وقفت وراء الشائعات؟
صحيفة «اللوموند» أجرت تحقيقاً مفصلاً حول «الشائعة التي تصبح خبراً صحافياً»، فعادت إلى بداية شباط وإلى «الهمس من دون أيّ برهان» الذي يضج في دوائر تحرير الوسائل الإعلامية عن «علاقة خارج الزواج لكل من ساركوزي مع وزيرة البيئة شانتال جوانو وكارلا بروني مع المغني بنجامين بيولي». ثم وصف التحقيق كيف «انتقل الهمس من صالات التحرير إلى الحقل العام» عبر حلقات الحوار على شبكات الإنترنت مع بداية شهر آذار قبل أن يضع الصحافي أرنو شانبرومية تريغانو «الهمس المنتفخ» على مدونة تويتر، مع الاعتراف بأنه «لم يستطع التأكد من هذه الأخبار». وهكذا ولدت «حلقة متصاعدة من الشائعات» المقلقة للإليزيه.
إلا أن نقطة انطلاق ما بات «خبراً بتحفظ» إلى حقل السياسة العامة هو كتابة الشائعة على مدونة الصحيفة الأسبوعية «جورنال دو ديمانش» ما أعطاها «براءة صحافية» ذات وزن، وفتح الباب أمام الصحافة العالمية لتناول القضية وكأنها «حدث» بحجة نشره في صحيفة «ذات وزن وصدقية».
واقتحمت الأسئلة عن الموضوع المؤتمرات الصحافية وحلت على الصفحات الأولى لمجلات الفضائح المثيرة. وبعد أسبوع من «الهمس المتواصل»، أخرجت صحيفة «لوكانار أنشينيه» الشهيرة بـ«ضرباتها الصحافية» اسم رشيدة داتي، وربطت بين مصدر الشائعات و«عقاب الوزيرة» المتمثل بسحب مرافقيها وسيارة الخدمة من تحت تصرفها، مع تلويح بدورها في «تأجيج الثورة الصامتة» ضد ساركوزي في حزب الأكثرية الشعبية بعد خسارته للانتخابات.
وصادف بروز هذه الأخبار، التي كذّبتها داتي بقوة، الحديث عن تململ في صفوف حزب اليمين، رافقه تراجع في شعبية الرئيس إلى حد لم يبلغه البتة أيّ رئيس آخر.
ويقول مراقب: لم يعد ممكناً التيقّن ممّن يقف وراء «نظرية المؤامرة»، هل الحديث عن المؤامرة يحصّن ساركوزي ضد حركة تآمرية محتملة بعد تصاعد قوى منافسة للرئيس بين مؤيديه وارتفاع أسهم فرانسوا فيّون رئيس الوزراء؟
أسئلة سوف تجيب عنها الأيام المقبلة والتحقيقات القضائية، إذ إن تناول القضاء للملف قد يبعده عن الإعلام ولكن لا يدفنه، قد يكون قطار القضاء بطيئاً كما شهدت فرنسا في قضايا سابقة إلا أنه يصل دائماً محطة يستطيع فيها أن يتبين ما إذا كان «يوجد دخان من دون نار».