يشهد الموضوع الأهم في تركيا حالياً، أي التعديل الدستوري الشامل الذي تقدمت به حكومة رجب طيب أردوغان، أواخر الشهر الماضي، تطوّرات غريبة، تتمثّل في مواقف الحزب المعارض الأكبر في البلاد، «الشعب الجمهوري»، الذي بدّل رئيسه، دنيز بايكال، رأيه إزاء التعديل خمس مرات حتى يوم أمس.بدأت قصّة بايكال مع المشروع الحكومي منذ اليوم الأول الذي تقدمت فيه الحكومة باقتراحها، أي في 22 آذار الماضي. حينها، جنّ جنون زعيم حزب أتاتورك، فهدّد بالويل والثبور إذا واصلت الحكومة وحزب «العدالة والتنمية» سعيهما لتغيير الوجه الداخلي لتركيا.
ثمّ غيّر بايكال وجهته، فعرض على الحكومة سحب المواد التي تتعلق بإعادة هيكلة المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاة وللمدعين العامين، في مقابل نيل موافقة حزبه، وبالتالي توفير الغالبية له وتفادي عرضه على الاستفتاء الشعبي. بعدها، واصل الزعيم المعارض مناوراته، فطلب التخلّي عن المادة الدستورية المقترح تعديلها، التي تتعلق بتنظيم حظر الأحزاب السياسية. وبعدما لاحظ الرجل أنّ الحكومة مصرّة على موقفها، وأنها تجاهلت طلباته ـــــ أوامره، وزادت عدد المواد الدستورية المطلوب تعديلها من 23 إلى 30، وقدمت مشروعها إلى البرلمان، عاد إلى نغمة رفض التعديل جملة وتفصيلاً. وأخيراً، عاد بايكال إلى الظهور، أول من أمس، وكشف أنه مستعد لزيارة المقر المركزي لـ«العدالة والتنمية» في العاصمة أنقرة إذا طلب منه حزبه التفاوض بشأن التعديل.
5 تبديلات في المواقف، جعلت من بايكال محطّ انتقاد وسخرية صحف عديدة وأحزاب معارِضة أيضاً. فوفق رئيس حزب اليسار الديموقراطي (6 نواب في البرلمان)، معصوم توركر، فإنّ بايكال خلص إلى الموافقة على المشروع الدستوري، كي لا يظهر بعيون الشعب التركي بمظهر الرافض الوحيد لما تريده غالبيته. وتابع توركر قائلاً إنّ الأحزاب التي رفضت محاورة الحكومة في تعديلها الدستوري «توصلت إلى اقتناع يفيد بأنّ مناوراتها لم تنجح، فرضخت في النهاية».
تجدر الإشارة إلى أنّ حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية التركية» (يميني فاشي)، وهما الحزبان الرافضان بالمطلق للتعديلات، يملكان نحو 166 نائباً من أصل 550 نائباً، بينما للحزب الحاكم 336 نائباً. ويتطلّب إقرار التعديل في البرلمان 367 صوتاً (غالبية الثلثين)، علماً بأنّ غالبية 330 صوتاً ستكون كافية لإحالة الرزمة الإصلاحية إلى استفتاء شعبي، بما أنّ حزب الأكراد «السلام والديموقراطية» (20 مقعداً) لا يزال يساوم قبل إعطاء موافقته على المشروع الحكومي، بينما اليسار الديموقراطي جزم بموافقته.
ويُرجَّح أن تكون للموقف التراجعي الجديد لبايكال أسباب تتعلق بمعرفة «الشعب الجمهوري» أنّ الأمور متجهة عكس مصلحتهم. فيوم أمس، أقرّت اللجنة الدستورية في البرلمان المشروع الإصلاحي كاملاً (30 بنداً)، ناقضة الرأي الدستوري الذي أعلنه كلّ من رئيس المحكمة الدستورية حازم كيليش وقضاة محكمة الاستئناف مدعومين من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، الذين رأوا أنّ التعديل مناقض للدستور أساساً، وبالتالي لا يجوز عرضه على التصويت في الجلسة العامة للبرلمان. بذلك، بات قانون التعديل الدستوري جاهزاً لعرضه على التصويت الذي سيجري على دورتين، ويُتوقَّع عرضه في غضون أيام قليلة على أبعد تقدير. ولن يصبح القانون الدستوري نافذاً قبل توقيع الرئيس عبد الله غول عليه ونشره في الجريدة الرسمية، وهو ما بات مضموناً بعدما أخذت الحكومة ملاحظات الرئيس في الاعتبار، وأضافت بنوداً ليصبح النص مؤلّفاً من 30 بنداً لا 23.د
(الأخبار)