بدا واضحاً في خلال اليومين الماضيين أن ساحة الحرب المباشرة الأميركية الإيرانية قد تحددت بدقة. حوار الصواريخ والمدافع مستبعد، على ما يؤكد الإيرانيون، الذين يتباهون بأنهم يعيشون حياتهم بطريقة طبيعية. إنها معركة من نوع آخر لا يؤدي فيها العسكر أي دور. صراع على كسب تأييد العالم، دولاً وشعوباً. سباق للفوز بالقلوب والعقول، بحسب المصطلحات الأميركية
طهران ــ إيلي شلهوب
تخوض إيران معركة أفكار مع الولايات المتحدة، أداتها الرئيسية القدرة على الإقناع. تستهدف استقطاب العدد الأكبر من الدول. تعتبر نفسها فيها في موقع الدفاع عن النفس. في مرحلة أولى، بدأت مع الثورة الخمينيّة، كانت تقاوم العزلة، ومعها أهوال الحرب مع العراق. أما اليوم فهي تقاوم الجهود الأميركية الهادفة إلى «إخراجها» من المجتمع الدولي.
تراهن بلا شك على الحقائق الدولية المستجدة: دول ناشئة لا تجد لها مكاناً في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأيضاً على «قوة المنطق»، مدركة حجم الامتعاض الدولي، من سياسات العم سام، أو ما تسميه «الاستكبار العالمي».
في هذا الإطار، يندرج المؤتمر النووي الذي انعقد في طهران على مدى اليومين الماضيين، تحت عنوان «طاقة نووية للجميع وأسلحة نووية للا أحد». مؤتمر بدا كأنه تجمّع محرومين، أو بالحد الأقصى تجمّع دول إقليمية تسعى إلى تكريس دورها أو إيجاد موطئ قدم لها على الساحة الدولية، بحضور رمزي لكل من روسيا والصين، الداعمين الخلفيّين لمعسكر هؤلاء.
مؤتمر، شهد فتوى لمرشد الثورة علي خامنئي بتحريم استخدام الأسلحة النووية واقتراح من الرئيس محمود أحمدي نجاد بتأليف لجنة مستقلة لنزع أسلحة كهذه، لكنه انتهى إلى نتيجة وحيدة: استمراره عبر عقده مجدداً في نيسان عام 2011 في طهران، على قاعدة أنه مسار وليس مشروعاً.
واقع عبر عنه بوضوح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بتأكيده، في الجلسة الختامية للمؤتمر، «أننا نؤمن بأن جوهر هذا المؤتمر يؤيده كل أبناء البشر في العالم. يبقى أن نقوم بتنفيذ المطلوب وتفعيله». وأضاف «نحن (المشاركين في المؤتمر) لا يمكننا اتخاذ قرارات من الفراغ. تشاورنا وقلنا إنه يجب علينا التشاور مع الأمم المتحدة ومع كل الحكومات».
كان متكي حريصاً على التأكيد أن «هذا المؤتمر ليس في مجابهة أي مؤتمر آخر»، في إشارة إلى محاولات وضعه في مواجهة القمة النووية التي عقدت في واشنطن، بل كان «دعوة عامة للجميع، لجميع الضمائر الحية». وقال إن طهران «استضافت عدداً من ممثلي الدول والمنظمات وأصحاب الاختصاص ورجال الدين... وفي السنة المقبلة سندعو أصحاب الرأي الديني من كل الأديان السماوية ليدلوا بدلوهم»، مضيفاً إن «القوة في الحوار والمحادثات وليست في الأسلحة الممنوعة»، قبل أن يختم «إن هذا المؤتمر عملية متواصلة... نعتقد أن قطار نزع الأسلحة قد انطلق وهو لا شك في مساره. سيواجه بعض العقبات، لكنها ستزول بفعل الإرادة والعزيمة ويصل القطار إلى مقصده النهائي».
إلا أن مستشار الرئيس نجاد، علي أكبر جوانفكر، كان أكثر وضوحاً في تحديد غاية المؤتمر. وقال، في حديث طويل خصّ به «الأخبار»، «نحن نقول إن الإسلام يحرّم علينا جميعاً استخدام الأسلحة النووية. نحن نعارض كل شكل من أشكال التوجه نحو التسلح النووي ولا نتحرك في عقيدتنا الدفاعية مطلقاً نحو التسلح النووي. ليس هذا فقط، بل نحن نطالب بتدمير كل أنواع أسلحة الدمار الشامل من على الكرة الأرضية. هذا هو موقفنا الرسمي الذي لن نتراجع عنه».
وأضاف جوانفكر، الذي يدير أيضاً وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إيرنا»، «في المقابل، نسمع للأسف الشديد أن جبهة الاستكبار مصرة على اتهام إيران بأنها تتجه نحو التسلح النووي. هدفنا من هذا المؤتمر هو أن نعلن بوضوح أكبر وصراحة أكثر وبصوت عالٍ موقفنا هذا. ونريد أن نقول للرأي العام إن الولايات المتحدة تمارس الخديعة في هذا المجال. البلد الوحيد الذي استخدم هذا السلاح، والبلد الأكثر تخزيناً لهذه الترسانة من الأسلحة النووية، والذي يعزز ويسلّح قوة شيطانية في هذه المنطقة، إسرائيل، بالأسلحة النووية ويخزن فيها ترسانة من الأسلحة النووية، هذا البلد، هذه الإدارة، هذه الحكومة، تدعي بأنها هي التي تدافع عن نزع السلاح النووي. أردنا أن نثبت هذا الموضوع بأن ما يجري هو خديعة ونوضح رأينا».
وأوضح جوانفكر «نعتقد أن العصر هو ليس استخدام الأسلحة النووية التي عفا عليها الزمن... إنه عصر من يملك سلاح الثقافة والحضارة، ومن لديه منطق أقوى يستطيع أن يواجه به العالم. لا شك أنكم لاحظتم أننا عندما بدأنا الحديث عن الطاقة النووية منذ زمن، كنا وحيدين ومعزولين. قاومنا، تحملنا، صبرنا، واليوم جبهتنا، تلك الحامية لهذا الحق، أصبحت كبيرة وواسعة. الآن لم يعد الدعم محصوراً لنا بدول عدم الانحياز. دول مثل البرازيل والصين وماليزيا وتركيا ـــــ دول قوية وتعدّ أساسيّة في المعادلة الدولية ـــــ الآن واقفة إلى جانب إيران وتدعم الموقف الإيراني». و«بما أن العصر هو عصر المنطق الأقوى وليس القوة الأقوى، نعتقد بأن من هو منطقه أقوى يستطيع أن ينفذ إلى المعسكر الآخر ويأتي بأصدقاء جدد. عندما يقول المنطق الصحيح والأقوى إن الطاقة النووية للجميع ولا سلاح نووياً لأحد مطلقاً، عندما نقول إن العدالة يجب أن تتوسع وتشمل الجميع، منطق القوة هو الذي يصبح رئيس جمهوريته محبوباً على أوسع نطاق جماهيري في العالم، وهذا عنصر قوة في المعادلة الدولية. عنصر يجعل سياستنا نافذة في العلاقات الدولية. (الرئيس الأميركي باراك) أوباما لا يستطيع من خلال جائزة نوبل أن يكسب التعاطف الشعبي في العالم. الذي يستطيع أن يتحكم بالقلوب هو الفائز».
أما بالنسبة إلى شبه المقاطعة الخليجية للمؤتمر، وخصوصاً السعودية، قال جوانفكر «نحاول ألا نتوقف كثيراً عند هذه الأمور. أعداؤنا يحاولون أن يغيروا المسرح ويبدلوا الاصطفاف من جبهة الحق إلى جبهة الشيطان. تستطيع السعودية أن تأخذ الموقف الخاص بها. وكذلك مصر. ليست هذه هي المعايير التي نلجأ إليها في التعامل مع القضايا الكبرى. نستطيع أن نتفهم مجموعة المشكلات التي تعانيان منها. إذا فهمنا أن مثل هذه الأطراف تتعرض لضغوط ولمشاكل في علاقاتها الدولية، ولا سيما من الولايات المتحدة، نستطيع أن نعالج ذلك بتدبير أكثر. عندما نشعر جيداً بالمشكلات التي يعاني منها هؤلاء، وهم داخل عائلتنا، يجب علينا أن نساعدهم ليخرجوا منها. طريقة تعاطينا معهم لا يجوز أن تكون مثل تعاطينا مع جبهة العدو، لأنه إذا ما فعلنا ذلك، نكون قد نفذنا ما يريده العدو. بالتالي، علينا أن نتعامل معهم تعاملاً أبوياً خاصاً. أعتقد أن إيران اليوم هي مركز جبهة المقاومة الإسلامية، والعالم الإسلامي ينظر بعين الإكبار إلى هذا البلد ويرى فيه أعماله ومرجعيته السياسية، وهذا يرتب علينا مهام وتدابير خاصة وطريقة تعامل مختلفة».
وكان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، قد بادر إلى إصدار فتوى دينية تؤكد أن استعمال الاسلحة النووية «حرام في ديننا».

جوانفكر: علينا أن نتعامل مع السعودية ومصر تعاملاً أبويّاً خاصّاً

خامنئي يفتي بتحريم السلاح النووي ونجاد يقترح مجموعة دولية لنزع الأسلحة الفتاكة

ولفت خامنئي، في رسالة إلى المؤتمر تلاها مستشاره الأعلى للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي، إلى أن «الحكومة الأميركية هي الوحيدة التي ارتكبت جريمة نووية... المجرم النووي الوحيد في العالم يكذب ويقدم نفسه على أنه يعارض انتشار الأسلحة النووية، فيما هو لم يتخذ أي قرار جدي في هذا المجال».
بدوره، تقدم نجاد، في خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أول من أمس، بسلسلة من الاقتراحات تتركز على «تأليف مجموعة دولية مستقلة للتخطيط والإشراف على نزع الأسلحة الفتاكة (النووية) و«تعليق عضوية المالكين والمستخدمين والمهددين بالأسلحة النووية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الحكام» و«إعادة النظر في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية من قبل الدول المستقلة التي لا تمتلك أسلحة نووية» و«بذل جهود جماعية لإصلاح هيكلية مجلس الأمن الدولي» و«تأليف لجنة عمل من المشاركين في هذا المؤتمر لمتابعة القرارات التي يصدرها والاقتراحات التي يقدّمها».
وقال نجاد إن «تهديد المسؤولين الأميركيين باستخدام الأسلحة النووية فضحهم للعالم أكثر من أي وقت مضي»، مشيراً الى امتلاك اسرائيل التي «أشعلت فتيل نار عدة حروب في المنطقة، أكثر من 200 رأس نووي» ما «يعتبر تهديداً لدول المنطقة برمتها». وأضاف إن «الحكومات التي تدعم الكيان الصهيوني رغم امتلاكه هذه الترسانة النووية ويشكل تهديداً لدول المنطقة، تمارس ضغوطاً كبيرة وتشن حرباً نفسية شعواء ضد أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط على إيران من دون تقديم أي دليل مقنع». وختم إن «أكبر خيانة يرتكبها المحتكرون للأسلحة النووية هي عدم الفصل بين السلاح النووي والطاقة النووية، فهم يريدون احتكار الطاقة والسلاح معاً للحيلولة دون تقدم الشعوب التي تطالب بحقوقها المشروعة عبر الحصول على الطاقة النووية واستخدامها لأهداف سلمية بحتة‌».


65 دولة و14 وزير خارجية

شهد مؤتمر طهران مشاركة ممثلين عن 65 دولة، بينهم 14 وزير خارجية، إضافة إلى مشاركة من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ونالت سحب الغبار البركاني، التي نجمت عن ثورة بركان في ايسلندا، من رحلات وزراء خارجية السنغال والاكوادور وكوبا (التي تمثلت بنائب وزير خارجية) واندونيسيا. وقال منوشهر متكي أمس إن وزير خارجية بلاروسيا اتصل به وقال له إنه كان سيحضر المؤتمر لولا تلك السحابة. ولم يتمكن وزراء خارجية اندونيسيا وطاجيكستان وكامب فيردي، من الوصول إلا عند الجلسة الختامية.
أما أبرز الدول التي تمثلت على مستوى وزاري فكانت العراق ولبنان وسوريا وسلطنة عمان. واكتفت السعودية بحضور سفيرها لدى طهران للجلسة الافتتاحية. أما الصين وروسيا فتمثلتا على مستوى نائب وزير خارجية.