درويش إروغلو رئيساً لقبرص التركية. الخبر قد يحمل معطيات سلبية لمفاوضات توحيد الجزيرة المقسمة، بالنظر إلى ماضي الرئيس الجديد، لكنّ القرار دائماً يبقى تركيّاً
أرنست خوري
حصل درويش إروغلو على ما عمل عقوداً في السياسة وفي الشأن العام لتحقيقه؛ فعن عمر 72 عاماً، انتُخب زعيم الحزب اليميني القومي المتشدّد «الوحدة الوطنية»، رئيساً ثالثاً (بعد كل من محمد علي طلعت وقبله رؤوف دنكتاش) لـ «جمهورية قبرص الشمالية التركية»، التي أعلنت استقلالها الأحادي الجانب عن شقيقتها التوأم، قبرص (اليونانية)، عام 1983، بعدما كانت ملحقة بحكم الأمر الواقع، بالجمهورية التركية، منذ أحداث عام 1974 في اليونان. لن يجد أيّ باحث عن أخبار انتخابات قبرص التركية، التي جرت أول من أمس، والتي أعطت الفوز لإروغلو من الدورة الأولى، مع حصوله على 50.38 في المئة من الأصوات، في مقابل 42.85 في المئة فقط للرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت، سوى عناوين قلقة على مصير محادثات إعادة توحيد شقّي قبرص التي انطلقت عام 2008، منذ انتخاب الرئيس الشيوعي ديمتري كريستوفياس في الشق الجنوبي اليوناني لقبرص. قلق له ما يبرّره في السيرة السياسية لإروغلو. فالرجل المولود في مدينة فاماغوستا في الجزيرة، الذي حصّل شهادة الطب من جامعة إسطنبول، شأنه شأن معظم القبارصة الأتراك الذين يعدّون أنفسهم أتراكاً أوّلاً، صنع «مجده» السياسي على قاعدة قومية متشدّدة نابعة من أنّ الحل للمسألة القبرصية، لا يكمن في إعادة توحيد الجزيرة على أساس فدرالي، بل في الاعتراف بدولتين قبرصيّتين، أي تشريع الأمر الواقع الحالي. بناءً علي ذلك، أمكن الرجل تنصيب نفسه «عميد» رؤساء حكومة قبرص التركية، بما أنه شغل هذا المنصب أربع مرات، لما يناهز 17 عاماً متقطّعة، بين كل من 1985 و1993، ثم بين 1996 و2004، ثمّ منذ 2009 و18 نيسان 2010، موعد انتقاله من رئاسة الوزراء إلى رئاسة «الجمهورية»، هذا فضلاً عن المرات العديدة جداً التي كان فيها عضواً في الجمعية الوطنية (البرلمان) وفي الحكومات المتعاقبة منذ 1976.
وبما أنّ «صيته» سبقه في حملته الانتخابية الرئاسية، على اعتبار أنه مناهض لحلّ قبرصي قائم على إعادة توحيد الجزيرة لتصبح عضواً بشقّيها في الاتحاد الأوروبي، عمد الرجل إلى الطمأنة إلى أنه لن يوقف المفاوضات إذا فاز بالمنصب الأول، من دون أن يقول مرة واحدة إنه أصبح يؤيد حل الدولة الفدرالية، رغم أنّ هذا ما تريده حالياً الدولة الأم، تركيا، فضلاً عن «المجتمع الدولي» الذي تمثّله الأمم المتحدة وبريطانيا في الوساطة منذ 2008.
وفور إعلان فوزه، ليل أول من أمس، صرّح إروغلو بما يحمل الالتباس الأكبر، فقال: «لا يجوز أن يتوهّم أحد أنني سأغادر طاولة المفاوضات التي ستتواصل. سأتابع العمل، بنيّة حسنة، للتوصّل إلى تسوية تحفظ حق جماعتي». الكلمات الأخيرة هي التي تحمل تفسيرات متعددة، بما أنّ «جماعة» إروغلو هم آلاف الأتراك الذين غادروا تركيا إلى الجزيرة واستوطنوا فيها منذ 1974، وتُعَدّ قضية إعادتهم إلى بلدهم الأصلي، واحدة من المسائل العالقة في المفاوضات. وكان هؤلاء السند الأقوى لإروغلو، بما أنهم رأوا أنّ طلعت «طعنهم في الظهر» من خلال إظهاره مرونة في التعامل مع قضية ممتلكاتهم ومصيرهم في قبرص التركية.
لكن القرار السياسي لحكّام قبرص التركية يُصنَع في تركيا في النهاية. واليوم، أنقرة راغبة في تقديم نفسها على أنها لا تزال متحمّسة للتخلص من وزر الأزمة القبرصية الجاثم بثقله على ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي. لذلك، وجّه رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، كلمات مقتضبة إلى إروغلو، قبل يومين، مفادها أنّنا نريد منك أن تواصل المفاوضات مع الجنوبيين. فهِم إروغلو الرسالة سريعاً، فسارع إلى الطمأنة إلى أنّ فريقه سيدخل «في حوار حميم ومفصَّل مع دولتنا الأم».