استعادت باكستان نظامها البرلماني بموجب التعديل الثامن عشر للدستور، الذي وقّعه الرئيس آصف علي زرداري، وذلك بعد أربعة عقود من تدخّل العسكر لتعزيز صلاحيات الرئيس
شهيرة سلّوم
وقّع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، أول من أمس، مرسوم التعديل الدستوري الثامن عشر لتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، التي كان قد عزّزها الرؤساء العسكريّون السابقون، وخصوصاً ضياء الدين الحق وبرويز مشرف، من خلال تعديلات دستورية جعلت من النظام الباكستاني أقرب إلى نظام شبه رئاسي، وسلبته طبيعته البرلمانية التي كفلها دستور 1973.
توقيع القانون أكسب زرداري إنجازاً تاريخياً، إذ إنه أصبح أول رئيس باكستاني يوقّع إرادياً مرسوم الحدّ من صلاحياته. والتعديل الثامن عشر هو الأول من نوعه منذ 1973. ويُعدّ ثمرة مخاض سياسي عاشته باكستان منذ ما قبل عودة المنفيَّين (الزعيمان المعارضان بنازير بوتو ونواز شريف) واشتدّ مع اغتيال بوتو، وانتهى بولادة اتفاق لتقاسم السلطة بين حزبي «الشعب»، الذي تولى رئاستي الجمهورية والحكومة، والرابطة الإسلامية ـــــ جناح نواز شريف.
والقانون الذي يقرّ التعديلات الدستورية سبق أن صُدّق عليه داخل كل من الجمعية الوطنية (في 8 نيسان، وافق عليه 292 عضواً من أصل 342) ومجلس الشيوخ (في 15 نيسان)، ويندرج في 102 بند ويشمل 95 تعديلاً لدستور 1973. وتجرّد التعديلات الرئيس من صلاحية حل البرلمان بصورة أُحادية، وإقالة رئيس الوزراء وتعيين رؤساء القوات المسلحة (قادة الجيش والبحرية والقوات الجوية). وتُعيد تسمية المقاطعة الشمالية الغربية الحدودية إلى خيبر باختونخوا (حسب رغبة الغالبية البشتونية ورغم معارضة الهندوس في هازارا)، وتُلغي القيود على تولي منصب رئاسة الحكومة لأكثر من ولايتين، وهو ما يفسح المجال أمام شريف (الذي تولى الحكومة في 1990 و1997) كي يترشّح لهذا المنصب.
وتمنع التعديلات الرئيس من إعلان حالة الطوارئ في أيّ مقاطعة بصورة أُحادية. وتحظر على المحكمة أن تؤيّد تعليق أحكام الدستور، وتعطي حق تعيين القضاة للجنة قضائية مختصّة، وتمنع الرئيس من تعيين رئيس لجنة الانتخابات. وتعطي مجلس المصالح المشتركة صلاحيات أكبر، وتعزّز الحكم الذاتي للأقاليم من خلال إعطائهم صلاحيات أكبر في الشؤون الوطنية عبر تعزيز ممثليهم في المجلس.
وبالنسبة إلى التعديل الأبرز الذي يتعلق بحقّ الرئيس في حلّ البرلمان. فإنّ الرئيس السابق الجنرال ضياء الدين الحق كان قد أقرّه بموجب التعديل الثامن الذي شمل 90 مادة دستورية في 1985، وتحوّل معه النظام الباكستاني من البرلماني إلى شبه رئاسي عبر تعزيز الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة. وأُعطي الرئيس حينها حق حل الجمعية الوطنية (لا مجلس الشيوخ) بموجب المادة 58 من الدستور (الفقرة 2(b)) وما يعنيه ذلك من عواقب إبعاد رئيس الوزراء وحلّ حكومته نتيجة لحلّ الجمعية وإجراء انتخابات جديدة.
هذا الحق عاد وألغاه رئيس الحكومة نواز شريف خلال ولايته الثانية (عام 1997) بموجب التعديل الدستوري الثالث عشر، الذي جرت الموافقة عليه بالإجماع من جانب المعارضة والحكومة، لكنّ مشرف الذي نفّذ انقلاباً أبيض على شريف في 1999 (باركته بوتو) عاد وأقرّ هذه الصلاحية في التعديل السابع عشر الذي شمل 26 مادة دستورية وصدّق عليه البرلمان الذي انتُخب في 2002 لاحقاً. أعطى هذا التعديل الرئيس الحق في حل البرلمان، وبالتالي فصل رئيس الحكومة، ولكنه أخضع هذا القرار لموافقة المحكمة العليا.
التعديلات الدستورية الأخيرة ستجعل عملياً من زرداري رئيساً فخرياً، إذ لا يمكنه تعيين رؤساء القوات المسلحة وحل الجمعية العامة وتعيين حكام الولايات إلّا «بعد التشاور مع رئيس الوزراء». ليستعيد بذلك النظام الباكستاني الحياة البرلمانية التي سلبه إياها الحكام العسكريون على مرّ أربعة عقود. ويرى مؤيدو هذه التعديلات أنها تُقنّن نهاية حقبة من الديكتاتورية العسكرية، وتكرّس عودة الديموقراطية إلى البلاد.
وفي ظل هذه التعديلات، تُطرح تساؤلات عن دور الجيش، اللاعب الأساسي منذ ولادة الدولة الباكستانية من رحم الاستعمار البريطاني في 1947، الذي أدّى أيضاً دوراً محورياً من وراء الكواليس خلال الأزمة السياسية التي أتخمت البلاد منذ عودة المنفيّين وإقالة القضاة وتنحّي مشرف واغتيال بوتو وانتصار خصومه السياسيين في الانتخابات وتسلّمهم السلطة. وقد حرص الجيش خلال الأزمة على أن يكون وسيطاً لا طرفاً، ونجح بذلك، وتعهد قائده أشفق كياني إبعاد الجيش عن السياسة.
وكما يرى مراقبون، فإنّ من المستبعد حصول انقلاب عسكري في البلد النووي، الذي اعتاد قادة جيشه سلوك هذا السبيل عند أصغر الأزمات، يعود هذا أساساً إلى بقاء الجيش ممكساً بزمام الملفات الساخنة: أفغانستان، والمعركة ضدّ «طالبان» والعلاقة مع العدو النووي التقليدي الهند.