التعرّف إلى بيئة الشعوب المراد غزوها عبر الاستعانة بالعلوم الاجتماعية لطالما كان أداة فعّالة في مناطق القتال، وحكاية لوارنس المستعرب أنموذج تسعى القوات الأميركية إلى أن تقتدي به
واشنطن ــ محمد سعيد
أشادت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، بعد نحو 90 عاماً، بـ «لورانس العرب»، داعيةً إلى وجوب الاقتداء به كنموذج للقوات الأميركية. فقد أنشأت قيادة العمليات الخاصة الأميركية «مشروع لورانس» تكريماً للضابط البريطاني «تي إي لورانس» المستعرب المشهور، الذي كسر قواعد الحرب الحديثة عندما قاد مجموعات من بدو عرب شاركوا في العمل مع البريطانيين ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، بعدما عايش العرب وعاش بينهم، وتعلّم لغتهم ليصبح كأنه واحد من أهل البلاد.
ودفع لورانس العرب في 1917 قوات من العرب البدو بقيادة عودة أبو تايه للاستيلاء على ميناء العقبة جنوبي الأردن، بعدما فوجئ الأتراك بمهاجمتهم من الخلف، ما عدّه الأتراك المسلمون خيانة لهم من أبناء دينهم.
ويؤكّد مشروع «لورانس» أن تتشرّب القوات الأميركية الخاصة ملامح الثقافة السائدة والسمات القبائلية في كل من العراق وأفغانستان، اللذين يخضعان لاحتلال القوات الأميركية منذ سنوات.
المشروع يهدف إلى استمالة القبائل والعشائر في أفغانستان والعراق
ولم تكن حكاية لورانس استثنائية في سياق تفكير الاستعمار البريطاني في المنطقة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وحكاية الضابط البريطاني غلوب (باشا) في العراق والأردن هي دليل آخر على هوس البريطانيين بمسألة العشائر والقبائل العربية.
غير أن باحثين أشاروا إلى أن الاحتلال الأميركي يتجاهل ما طرأ على بنية العراق والعرب من تبدّلات هائلة خلال قرن كامل، ويتحدثون عن أن الأوضاع في 1917 لا تشبه ما هي عليه الآن، ما يجعل إعادة تكرار تجربة لورانس ثانية أشبه بالمهزلة.
ويقول الباحث ثائر دوري إنّ الفكر المسيطر على عقلية الاحتلال الأميركي في هذا الشأن هو فكر استشراقي لا يقدر أن يتخيّل العرب إلا على شكل قبائل لا تفكر إلا بعاطفتها، ولا مكان للعقل عندها، وعلى هذه الأوهام الاستشراقية يبني المحتلون برامجهم السياسية، التي ستنتهي تحت ضربات المقاومة إلى كارثة عالمية فوق رؤوسهم.
ويضيف دوري إنّ الاستشراق بُني على خرافات كثيرة، منها أن المنطقة تسكنها مجموعة من الإثنيات (لم تصل إلى مرحلة القومية) والطوائف والعشائر وتحكمها علاقة صراع، ما يستدعي دائماً تدخّل قوة من خارج المنطقة لضبط هذا الصراع الداخلي، وبالطبع يجب أن تكون هذه القوة غربية.
والأميركيون في مشروعهم الجديد هذا استجابوا لنصائح حلفائهم البريطانيين في غزوهم للعراق وأفغانستان، حيث سوّقوا لهم أن مشروع «لورانس العرب» من أنجح مشاريع الاستخبارات البريطانية، وأنه يمكن الآن تكراره لاستمالة قبائل وعشائر من تحتلهم أميركا وتقتل أبناءهم.
وقد تحدّث الأدميرال إيرك أولسون، في خطاب له في واشنطن، عن «الفعل المباشر» الذي تقتضيه فعاليات الحرب في ميدان القتال، و«الفعل غير المباشر» الذي يعني اتخاذ خطوات على المدى البعيد، تتعرّف فيها القوات الخاصة في كل من العراق وأفغانستان إلى السكان المحليين، وتختار مواقع حفر آبار جديدة، وبناء مدارس، وتدريب جيش البلاد، مؤكّداً أن هذه الخطوات كانت أكثر فاعلية في كسب الحرب.