أظهر بركان إيسلندا، وما رافقه من توقّف «كل شيء» تقريباً، محدودية العولمة الرأسمالية. الصدمة كبيرة، وتحثّ على التفكير في بدائل عن رمي «كل البيض في سلّة» قطاع النقل الجوي
باريس ــ بسّام الطيارة
اختفت أصناف عديدة من الزهور والخضار من المحال، وبات من الصعب أن تجد في الأحياء الصينية، في بعض العواصم الأوروبية، أصنافاً من المأكولات التي كانت تأتي مباشرةً من بكين أو شانغهاي أو اليابان، مثل لحوم بعض الأسماك أو الأعشاب المجفّفة على صخور الشواطئ الساخنة. أمّا في آسيا، فقد افتقدت المطاعم، الأجبان المستوردة يومياً من فرنسا أو إيطاليا. كل ذلك بسبب شلل حركة الطيران حول العالم، إذ إن الأضرار لا تُقاس فقط بحركة المسافرين ونسب خسائر قطاع السياحة، فقد بدأت تظهر أمام المراقبين النتائج الكارثية لانفجار بركان إيافيول الإيسلندي.
وبلغة الأرقام، تجاوزت الخسائر الـ 1.7 مليارات دولار فقط في مضمار الطيران. وتتوقّع منظمة «إياتا» أن تعلن أكثر من ٥ شركات متوسطة الحجم، إفلاسها، وهو ما أكّده رئيس المنظمة، الإيطالي جيوفاني بيزينياني، رغم أنه خفف من حدة التوقعات السوداوية على المدى الطويل.
ولا تقتصر فاتورة الخسائر في عالم الطيران على شركات السفر، بل يمكن أن يطول أمدها، بعدما بدأت تتكشّف خسائر «الاقتصادات الدائرة في فلك النقل الجوي»، مثل الفنادق التي ألغيت حجوزاتها، أو المطاعم التي خسرت زبائنها من السياح، أو المصارف التي دفعتها شركات السفريات والسياحة إلى إعادة مسافريها إلى أوطانهم. ففي فرنسا وحدها، «علق» ٧٥ ألف مسافر في ثاني يوم من إقفال المجال الجوي، ما سبّب خسائر لشركة «إير فرانس»، بلغت قيمتها ٣٥ مليون يورو يومياً، لقاء استئجار باصات وتاكسيات ودفع أجور نقل بالسكك الحديدية، بينما تقدَّر مجمل خسائر العاملين في مجال السياحة، في فرنسا، بـ٢٠٠ مليون يورو يومياً.
أما في القطاعات الأخرى، ورغم أنّ الحسابات لا تزال أولية، بسبب «النوعية الفريدة للكارثة»، فإنه بات من الممكن ربط الخسائر بالعولمة وترابط الأسواق. على سبيل المثال، خسرت الولايات المتحدة ٦٠٠٠ فرصة عمل بسبب ٤ أيام من شلل الطيران، بينما أُلغيت ٧٨ في المئة من الرحلات الطويلة المتوجهة إلى أوروبا. كما أن عدداً من الصناعات التي تعتمد على الطيران، زادت تكلفتها الإنتاجية بسبب توقف الرحلات الجوية، مثل صناعة المكوّنات الإلكترونية التي تعتمد على استيراد شبه يومي لموادها الأولية. وتوقفت بعض المصانع عن العمل، منذ يومين، بسبب غياب هذه المكوّنات. كذلك الأمر بالنسبة إلى صناعة الصيدلة، بحيث لا تستورد الصيدليات الأدوية الغالية الثمن قبل وقت طويل، وخصوصاً تلك التي تتطلب وسائل وأماكن خاصة للتخزين.
أما بالنسبة إلى شحن البريد والطرود الصغيرة، فهي تتكدّس بطريقة هائلة. وعادت بعض شركات البريد الخاصة إلى استعمال وسائل النقل البري للتخفيف من أزمة تكدّس ملايين الرسائل لديها، مع ما يمكن أن يسببه هذا التأخير من إشكالات على عدد من المرافق مثل المصارف أو القضايا الإجرائية.
وينظر المراقبون بقلق شديد إلى سلسلة الكوارث هذه، وخصوصاً أنّ العالم لم يتعافَ بعد من أزمته المالية، رغم أنّ صندوق النقد الدولي رفع توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي إلى ٤،٢ في المئة لهذه السنة، مشيراً إلى أنّ «الانتعاش تطور تطوّراً أفضل ممّا كان متوقعاً». لكن بالطبع، لا تأخذ هذه الأرقام بعين الاعتبار، كارثة ثورة البركان.
وهنا تعود إلى الواجهة، بعض الدراسات التي أثارت سخرية النقاد والمعلقين السياسيين حين صدرت خلال حقبة مرض «جنون البقرة»، والتي تحدثت عن «الانتظام مع الطبيعة، ليس فقط في شؤون الزراعة وحفظ البيئة وتربية الحيوانات»، بل في مراعاة شروطها في كل المجالات، مثل تشييد المباني والطرقات، وشق الأنفاق ومدّ خطوط الكهرباء وبناء المفاعلات النووية، إضافةً طبعاً إلى محاذير الاعتماد الكلي على التكنولوجيا.
ويسأل البعض: ماذا يمكن أن يحصل إذا توقّفت شبكة الإنترنت بفعل بركان أو زلزال؟ ببساطة، سيتعطّل كل شيء؛ من توزيع الكهرباء والغاز، والتحويلات المصرفية، إلى أنظمة التهوية والتبريد في الأنفاق والمستشفيات، وإدارة سكك الحديد ومترو الأنفاق، إضافةً إلى شلّ حركة الطيران بطريقة تتجاوز بأضعاف الأضعاف ما سبّبه البركان الأخير. من هنا، يدعو مثقفون وجمعيات، إلى العودة لتعامل «إنساني» مع الطبيعة، والكف عن «اغتصاب المواسم»، الذي يُترجَم بأكل ثمار مواسم الصيف في الشتاء، ومواسم الشتاء في الصيف، والتحوّط من عضب الطبيعة عبر بناء مرافق تأخذ بعين الاعتبار، كل التحوّلات «الممكنة».