الكلام عن حظر النقاب يعود إلى فرنسا. عودة لها أهداف داخلية في حسابات الرئيس نيكولا ساركوزي، غير أنها تبدو مرتبطة بمشروع أوروبي أوسع لمحاصرة السلفيّين
باريس ــ بسّام الطيارة
مع بلوغ شعبية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحضيض (٥٦ في المئة يرفضون سياسته)، عاد النقاب إلى واجهة الأحداث بشكل مشروع قانون يذهب عكس اتجاه «توصيات المجلس الدستوري»، أي بطريقة مخالفة للدستور وتتجاوز الخطوط الحمراء للحرية الشخصية التي يتضمّنها القانون الأساسي. فهل يذهب ساركوزي إلى حد تغيير الدستور للوصول إلى هدفه، أي منع نحو ٣٠٠ منقّبة، معظمهن فرنسيات، من التجوال في الشوارع الفرنسية؟
يبدو أن الشرطة الفرنسية بدأت بتطبيق منع النقاب ومحاصرة المنقّبات وتغريمهن بحركة استباقية لملاقاة توجّهات الإليزيه ووزير الداخلية بريس هورتوفو، المقرّب من ساركوزي. فقد أشارت عناصر شرطة درّاجة في مدينة نانت (غرب فرنسا) إلى سائقة منقّبة بالتوقف وطلبت أوراقها. فما كان من السيدة إلا أن انصاعت للأمر فقدّمت أوراقها وأوراق السيارة والتأمين ورفعت نقابها للكشف عن وجهها لتتأكد الشرطة من هويتها. وكم كانت دهشتها كبيرة حين قرر عناصر الشرطة تغريمها ٢٢ يورو استناداً إلى قانون السير الذي «يحظر القيادة في ظروف غير مريحة».
وعلمت «الأخبار» أن السيدة، وهي فرنسية الأصول ارتدت النقاب منذ تسع سنوات بعدما أسلمت، قرّرت رفع دعوى لرد الغرامة. ويتّهم محاميها جان ميشال بولونو الشرطة بـ «التمييز العنصري». ويضيف إنّ «ارتداء قناع ليس ممنوعاً حتى الآن»، بينما تجيب مديرية السير بأنّ الشرطة طبّقت القانون الذي يترك الحرية الكاملة للشرطي لـ«الحكم بصفة استنسابية وشخصية ما إذا كان السائق في وضعية تمثّل خطراً على السلامة العامة».
وبالطبع سوف تؤجّج هذه الحادثة التناول الإعلامي والسياسي لمسألة النقاب، وتعيده إلى مقدّمة الخطاب الحاد المحيط بالإسلام والمهاجرين وقوانين الهجرة والهوية الوطنية، وخصوصاً أن وزير الهجرة إيريك بيسون يعدّ قانوناً جديداً لتنظيم شروط الهجرة إلى فرنسا والحصول على الجنسية. قانون أثار اعتراضات الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان. وتشير رابطة حقوق الإنسان مثلاً إلى عدد من الشروط الجديدة التي تصعّب الحصول على الجنسية، وفي مقدمتها «مقابلة في مركز الشرطة»، عوضاً عن مركز الخدمات الاجتماعية، وتتساءل مسؤولة الشؤون القضائية في الرابطة، إيزابيل دنيز، عمّا إذا كانت هذه المقابلة ستُعقد حسب أسئلة معدّة سلفاً؟ أم ستُترك لاستتساب المحقّق؟ وخصوصاً أنّ هدف هذه المقابلة هو تحديد ما إذا كان طالب الجنسية قد «استوعب المبادئ والقيم الأساسية للجمهورية».
ورغم أن الوزارة تبرز «التحسينات المقترحة»، مثل «تسريع فترة الانتظار» لتصبح سنتين عوضاً عن خمس سنوات، فإنّ أحد العاملين في تجمّع النقابات العمالية يقول لـ«الأخبار» إنّ «العراقيل تتكاثر بين أسطر هذا القانون». ويشرح أنه «كان يحصل تسامح مع نسبة استيعاب اللغة الفرنسية لدى الأمّهات». أمّا اليوم، فإن هذا العامل يُستعمل استعمالاً «ردعيّاً». كما أن رد الطلبات لـ«أسباب أدبية وأخلاقية» بات أمراً مألوفاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مظاهر «التصرف الحضاري» لدى طالب الجنسية، كما تبيّن رفض عدد من الطلبات بسبب «ارتداء الزوجة النقاب»، وهو ما تفسّره إدارة الجنسية بأنه «عدم قدرة على الانصهار في المجتمع الفرنسي».
ويتبيّن هنا حسب مراقب أوروبي في بروكسل أن الحكومات الأوروبية قد قرّرت تحت «ضغط العامل الإسلامي السلفي» العمل على «تجفيف نبع وصول السلفيين كمهاجرين إلى أوروبا»، عبر تشديد القوانين والعمل بموازاة ذلك على قوانين داخلية للتخلص من كل مظاهر السلفية المناقضة للتقاليد السائدة في أوروبا. ويشير إلى أن مسألة الحجاب والنقاب والمآذن ما هي إلا الحلقات البارزة إعلامياً في سلسلة هذه التدابير.
إلا أن هذه السياسة التي يقودها فريق ساركوزي بوتيرة متسارعة، كأنه في سباق مع نهاية ولايته، لا تلقى تجاوباً كاملاً من أفراد عائلته السياسية. فقد انتقد دومينيك دوفيلبان، الذي يرى فيه الفرنسيون أفضل ممثل لليمين حسب آخر استفتاء، ضرورة الاكتفاء بمنع النقاب في الإدارات والمصارف لأسباب أمنية ولعدم «استفزاز قطاع كبير من الفرنسيين»، وهو موقف ألان جوبيه أيضاً. أما فرانسوا كوبيه، زعيم الكتلة البرلمانية، فهو كان ولا يزال في مقدمة من يطالب بمنع تام للبرقع على الأراضي الفرنسي، وهو ما يستفزّ صناعة السياحة التي تنتظر الموسم الصيفي لتعويض ما خسرته بسبب ثورة البركان باستقبال الخليجيّين. ويتساءل بعضهم ماذا سيحصل في باريس وكان ومنطقة الكوت دازور إذا مُنع ارتداء النقاب في فرنسا، فهل ينزع رجل الجمارك نقاب السائحات الخليجيات للسماح لهن بدخول الأراضي الفرنسية؟ ويتخوف هؤلاء من أن تتحول السياحة الخليجية إلى دول أوروبية أكثر تسامحاً مثل تركيا أو بريطانيا.