توفي يوم الاثنين في برشلونة الباحث فريد هاليداي بعد صراع مع مرض السرطان. الماركسي السابق اشتهر بدراساته العديدة عن منطقة الخليج العربي واليمن تحديداً
ديما شريف
عندما زار الكاتب والباحث فريد هاليداي لبنان في ربيع 2004، التقى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم وشارك في برنامج عن معتقل أبو غريب على شاشة تلفزيون «المنار»، من طريق الصدفة. هاليداي، الذي توفي منذ يومين بعد صراع مع مرض السرطان، كان في لبنان لإلقاء محاضرة في الجامعة الأميركية عن اليمن، فاتصل به قاسم والتقيا وطلب منه كتابة مقدمة الطبعة الإنكليزية من كتابه «حزب الله: المنهج... التجربة... المستقبل» (2001). لكنّ هاليداي رفض نظراً إلى أنّه خبير في اليمن ودول الخليج ولا يعرف الكثير عن لبنان.
كان هاليداي شخصية مؤثرة في الأوساط الأكاديمية، واشتهر بغزارة أبحاثه وكتبه عن الإسلام والشرق الأوسط وإجادته ما يزيد على عشر لغات، منها العربية والفارسية. درس هاليداي، الإيرلندي الأصل، في أوكسفورد وتخرج بشهادة في الفلسفة، السياسة والاقتصاد. درّس في «كلية لندن للاقتصاد» الشهيرة لسنوات طويلة وتركها في 2008 لينتقل إلى إسبانيا حيث درّس في «معهد برشلونة للدراسات الدولية»، حتى وفاته.
بقي هاليداي عضواً في مجلس تحرير مجلة «نيو ليفت ريفيو» البريطانية منذ 1969حتى 1983، حين كان لا يزال من أبرز المفكرين الماركسيين الأوروبيين قبل أن يتحوّل ليبرالياً إثر انهيار الاتحاد السوفياتي. حينها كان المثقفون الماركسيون البريطانيون المعادون للستالينية يتهمون هاليداي بأنّه ذات نزعة سوفياتية.
في 1985 حصل هاليداي على شهادة الدكتوراه من «مدرسة لندن للاقتصاد» على أطروحة تناولت جمهورية اليمن الديموقراطية. قبل ذلك كان قد نشر كتباً عدّة، منها، «العرب دون سلاطين» (1974) وهو دراسة عن الأنظمة العربية والدعم الذي تتلقاه من إيران والغرب وحركات التحرر في هذه الدول. وقال وقتها إنّ العالم العربي هو المنطقة التي كان لها التعاطي الأطول في التاريخ مع الغرب، لكنّها لم تفهمه فهماً صحيحاً. في 1978، نشر «إيران: الديكتاتورية والتنمية» الذي توقع فيه ثورة قريبة، لكن نفى عنها الطابع الإسلامي.
مع انهيار الاتحاد السوفياتي، أدرك صاحب «الأمّة والدين في الشرق الأوسط» (2000) أنّ الماركسية والاشتراكية طوباوية. وهذا ما أوضحه بعد عقد في كتابه «ساعتان هزتا العالم» (2002) إذ قال إنّ «الديموقراطية الليبرالية والأسواق المنظمة توفّر سياقاً واسعاً للتنمية الجيدة». في كتابه هذا، يعالج هاليداي مسائل التطرف الإسلامي، العولمة ورأسمالية الولايات المتحدة وكلّ ما أدى إلى حدوث 11 أيلول. توصل هاليداي إلى نتيجة واحدة آنذاك: «لا بديل من الرأسمالية، ويمكن فقط تنظيمها وأنسنتها. انسوا الطوباوية واستعدوا للتفاوض مع من في السلطة». ورأى البعض أنّ الكتاب هو تبرير بائس للرأسمالية عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، ولا سيما مع تكرار انتقاداته لرفاقه السابقين في اليسار، منتقداً مواقفه السابقة في الوقت عينه.
بعد قطيعته مع الماركسية، ركز اهتمامه على المسلمين في بريطانيا ليصدر كتاب «عرب في المنفى: المهاجرون اليمنيون في مدن بريطانيا» (1992)، ثم «الإسلام والغرب: خرافة المواجهة» (1996) الذي انتقد فيه الأفكار المسبقة عن الإسلام والمسلمين وفكرة صراع الحضارات. وقتها ساند اجتياح الولايات المتحدة للعراق، ولاحقاً رأى أنّ التدخل الأميركي في يوغوسلافيا وأفغانستان وكوسوفو، كان لمصلحة المسلمين، بعدما كان في الثمانينيات من أشد منتقدي محاولات واشنطن للتدخل في أفغانستان.
في كتابه «إعادة التفكير بالعلاقات الدولية» (1994) انتقد محاولات البعض للسعي إلى إيجاد وخلق نظام ما ـــــ بعد ـــــ رأسمالي، وكلّ المحاولات التي تسعى إلى تحسين الظروف الإنسانية بسرعة، وهو ما يتناسب مع ما كان يؤمن به في المرحلة اللاحقة لانهيار الاتحاد السوفياتي من أنّ «الإمبريالية تؤدي دوراً تقدمياً في تحسين العالم».
لكنّ هاليداي، بقي من أهم الباحثين الأوروبيين عن منطقة الخليج العربي، واستطاع دوماً تنبؤ الإحداث التي ستعصف بالمنطقة.
وهو كان يكتب على نحو شبه أسبوعي مقالات تنشر في الدوريات والمجلات المتخصصة. وفي مقالة له على موقع opendemocracy.net بعد يوم من تنصيب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، حدد هاليداي المتاعب التي سيواجهها الرئيس الجديد. ورأى في مقالته، التي استبقت عدداً من الأحداث التي شابت ولاية أوباما حتى اليوم، أنّه إلى جانب الأزمة المالية في أميركا سيضطر الرئيس إلى التعاطي مع ست مشاكل في الشرق الأوسط. أولها بالطبع العراق والاستعداد للانتخابات المحلية والتشريعية التي توقع أن تنتج رئيساً جديداً للبلاد والوزراء. المشكلة الثانية برأي هاليداي هي إيران التي توقع حراكاً ما بين المتشددين والإصلاحيين فيها، من دون تغيير يذكر في سياستها الخارجية. المشكلة الثالثة هي فلسطين حيث توقع عدم التوصل إلى اتفاق سلام، ورأى أنّه حتى لو جعل أوباما الموضوع من أولوياته فلن يكون ذلك كافياً. المشكلة الرابعة هي في أفغانستان حيث لن يكون الحل عسكرياً أبداً، متوقعاً محاولة استمالة عناصر من طالبان لتحقيق الاستقرار في هذا البلد. كذلك رأى صاحب «الكونية الجذرية لا العولمة المتردّدة» (2002)، أنّ هناك حاجة إلى تصحيح الوضع مع تركيا، وخصوصاً بعد تدهور العلاقة بين واشنطن وأنقرة إثر اجتياح العراق في 2003. كذلك توقع أن يكون اليمن مصدر متاعب لواشنطن مع تراجع سيطرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على مقاليد الحكم وزيادة العنف. وأكد أنّ اليمن لطالما حمل مفاجآت للجميع، ويجب على أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون الانتباه جيداً إلى ما يحصل هناك.