تشبّث الجمهوريون بموقفهم المعطل للنقاش بشأن الإجراءات المالية للتشريع الإصلاحي داخل مجلس الشيوخ على مدى أيام، إلى أن وافقوا في الليلة الثالثة بعد مفاوضات مضنية، لتكون بذلك قد أُزيلت العقبة الأولى على درب طويل
نيويورك ــ نزار عبود
بعد جولات متتالية داخل مجلس الشيوخ، وعلى مدى ثلاثة أيام، نجح الرئيس الأميركي باراك أوباما في إمرار مناقشة الإجراءات المالية لتشريع إصلاح النظام المالي والحصول على 60 صوتاً، محققاً بذلك الظفر بجولة مهمة على خصومه الجمهوريين.
ورحب أوباما بتجاوز العقبة الأولى على طريق إنقاذ سمعة الولايات المتحدة واستقرارها الاقتصادي بعد عامين من الترنّح عند شفير الهاوية. وتعرض الاقتصاد الأميركي لأسوأ أزمة مالية منذ الثلاثينيات. وأطلّ من مدينة كوينسي ـــــ إيلينوي بعد النتيجة التي طال انتظارها قائلاً «ما كان ينبغي الانتظار ولا ليوم واحد آخر للحماية من بعض الممارسات التي أوصلتنا إلى هذه الفوضى. وإذا لم نتلقّ الدرس من هذه الأزمة نحكم على أنفسنا بتكرارها». وأكد الرئيس الأميركي أنه سيبقى يراقب عن كثب النقاش المقبل لكي يضمن عدم تسلل ذوي المصالح الخاصة لإضعاف التشريع. وقال «إنني لا أريد صفقة يكتبها أعضاء لوبي الصناعة المالية، لقد شبعنا من ذلك».
وتراجع الجمهوريون وتخلّوا عن تعطيلهم نتيجة ظهور بعض التصدع في صفوفهم من جهة، وبعد حدوث تقدّم في المفاوضات الجانبية من جهة ثانية. وبعد محاولات دؤوبة لنقل المناقشات إلى غرف معتمة، بشكل يمكن التفاوض من خلالها على صفقة ثنائية تحفظ لبعض المصارف الكبرى حرية الحركة النسبية في الأسواق، وبعدما أنفقت المصارف مئات آلاف الدولارات في الأسابيع الماضية لترويج أفكارها داخل صفوف أعضاء مجلس الشيوخ لهذه الغاية، حدثت المعجزة وقبِل الجمهوريون بفتح الباب أمام النقاش العام.
وكان زعماء الحزب الجمهوري قد لمّحوا أول من أمس إلى أنهم سيسمحون للمناقشة بالبدء. وقال زعيم الجمهوريين، ميتش ماكونيل من كنتاكي، في بيان وزعه قبل التصويت الثالث إن «المفاوضات المغلقة مع الديموقراطيين بشأن مشروع التنظيم المالي انتهت باتفاق على عدد من القضايا، وبقيت أخرى عالقة، ومع انتهاء المفاوضات الحزبية آمل أن يكون شغف الغالبية في تحسين القوانين في مجلس الشيوخ حقيقياً، وأن تنتهي لعبة الأحزاب».
غير أن المفاوض الجمهوري السيناتور ريتشارد شلبي (عن ألاباما) قال إن الاتفاق جرى حول بعض المسائل، لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود حيال أمور أخرى. وأشار في بيان إلى أنه عارض فتح قاعة مجلس الشيوخ لمناقشة مشروع القانون، وأنه يختلف في رأيه مع زملائه الجمهوريين بشأن ما إذا كان يود مواصلة المناكفة. مناكفة كانت تستند على 41 صوتاً كافية لتعطيل عمل المجلس لثلاثة أيام بفارق صوت واحد.
النجاح في إمرار التصويث بعد ثلاث محاولات ليس إلا بداية الطريق، إذ إن بوسع الجمهوريين تعطيل النقاش في المستقبل بنسبة الأصوات نفسها، إذا وجدوا أن الأمور لا تسير كما يشتهون. وقد أكد شلبي أنه ناقش مع الديموقراطيين صفقة تتعلق ببند «يحول دون تضخم شركة من النمو إلى حد يمنع فشلها، وبشأن عملية تفكيك مصارف وول ستريت المتهاوية». لكنه نفى أن يكون قد تمكن من التوصل مع رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، كريستوفر دود (الديموقراطي من ولاية كونكتيكت) إلى صفقة بشأن صلاحيات ومجالات هيئة مراقبة حماية المستهلك، أو بشأن أفضل طريقة لتنظيم المشتقات المالية المعقدة التي يجري تداولها حالياً بعيداً عن الأضواء».
وقال إن مجموعة من الجمهوريين كانت مستعدة لأن تحذو حذوه. ورغم التقدم في المباحثات بين الطرفين، قال شلبي في بيانه إن «الخلاف بشأن وكالة جديدة للمستهلك واردة في القانون وغيرها من المسائل برهنت أنه لا يمكن التغلب عليها». فهو يرى حسب تصريحات سابقة أن الوكالة تتجاوز بكثير صلاحيات «وول ستريت» بحيث ستتدخل في كل عملية تبادل مالية يومية تخص أي مواطن أميركي. لكن إدارة أوباما تنظر إليها كجزء أساسي من القانون الموجه لحماية الأميركيين من المرابين المستغلين، ولا سيما من قبل شركات بطاقات الائتمان والمصارف وسماسرة القروض العقارية. وهنا يكون قد توجه نحو الجذور التي سببت الانهيار الضخم الذي أصاب الشركات المالية والمصارف منذ أوائل عام 2008 بسبب الإقراض الجشع غير القائم على قواعد اقتصادية وقانونية سليمة. إقراض كان يصب بصورة أساسية لمصلحة السماسرة الماليين، ويتجاهل مصالح المستثمرين والمستهلكين في آن معاً.
وعقب التصويت، أعرب السيناتور الديموقراطي من ولاية ماريلاند، بين كارين، عن استعداد شيوخه لمواصلة الجلسة طيلة الليل في إطار مسعاهم لكسر الجمود وتجاوز المأزق. ويتهم الديموقراطيين نظراءهم الجمهوريين بالمماطلة في اعتماد القانون الجديد من أجل تلطيف قوته، وذلك حفاظاً على مصالح لوبي المصارف المالية. ويبدو أن رسالة الديموقراطيين وصلت إلى الناس من خلال طرح المسألة على التصويت لثلاثة أيام متتالية لكي يكشفوا مدى تفاني الجمهوريين في الدفاع عن ذوي المصالح المالية.