باريس ــ بسّام الطيارةعلى هذا الأساس تتسارع المباحثات بشأن خطة لإنقاذ اليونان بين أثينا وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وسط مخاوف من خطر انتقال عدوى الأزمة اليونانيّة إلى إسبانيا والبرتغال، وهو إشارة إلى أن أي دولة لم تعد في منأى عن الأزمة، حتى إن ثلاثة أرباع الفرنسيين يرون أن بلادهم يمكن أن تشهد أزمة مشابهة، حسب استطلاع للرأي نشر أمس. الاستطلاع دفع وزير الميزانية فرنسوا باروين إلى استبعاد أي احتمال لخفض تصنيف فرنسا الائتمان.
إلا أن مجرد ذكر فرنسا في «سياق الحلقات الضعيفة» يسبب هزة في باريس بعد صولات وجولات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لإنقاذ العالم في بداية الأزمة المالية واليونان قبل أسابيع. وهو ما دفع بعض نواب اليمين الفرنسي إلى وضع «اللوم على أوروبا السياسية» والبحث عن كبش محرقة في المفوضية الأوروبية وبداية الحديث عن «انهيار لمنطقة اليورو». خطاب يتماشى مع سياسة اليمين المتطرف الذي صوت ضد الانتماء إلى منطقة اليورو قبل سنوات، إلى جانب الشيوعيين واليسار الراديكالي.
وفي حال انتقال عدوى «اتهام اليورو» بكل مصائب أوروبا المالية، فإن مشروع الاتحاد الأوروبي يمكن أن يترنح بعد ٢٠ سنة من العمل الدؤوب على بناء هيكلية موحدة لاقتصاد أعضائه. ويرى البعض أن التوسع شرقاً لأسباب سياسية، تحت إلحاح أميركي، من دون إعداد مسبق لدمج اقتصادات متفاوتة المستويات أدى إلى خلخلة أسس منطقة اليورو مع تراجع وزن الاتحاد ككل وعودة صعود نجم ألمانيا على حساب فرنسا.
تداعى البعض إلى «طرد اليونان من منطقة اليورو» وهو أمر ممكن قانوناً
إلا أن بعض «التقنيين» يقولون إن الخلل ليس في هيكلية الاتحاد، لكن في طريقة اتخاذ القرارات والبطء في التجاوب مع معطيات السوق في ما يتعلق بأجور الفوائد على السحوبات المالية الكبرى. وفي هذا الصدد، يقول النائب الاوروبي الألماني سفين غيغولد إن التباطؤ الذي أظهره الاتحاد الاوروبي في وضع خطة سريعة لإنقاذ اليونان هو الذي «يعرض مستقبل اليورو للخطر». ومرة أخرى، توجه الاتهامات إلى ألمانيا التي أبدت تردداً في مد يد العون إلى اليونان. ويتهم بعض المراقبين الساسة الألمان بأنهم «يضعون مصالحهم الوطنية قبل مصالح الاتحاد الأوروبي»، بينما يرى آخرون أن «ألمانيا تنطوي على نفسها وعلى أنانياتها الوطنية».
وقد جهد «رئيس الاتحاد الأوروبي»، هرمان فان رومبوي، في الدعوة إلى قمة في ١٠ أيار المقبل لبحث الوضع اليوناني، وهو تاريخ يراه البعض «بعيداً جداً عن تحسس حقيقة الأزمة». كذلك فإن رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو حاول ممارسة بعض الضغوط على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلا أن وزن المفوضية يبدو أنه بات من دون تأثير، وهو ما يترجم بـ«سلسلة هجومات من المضاربين» الذين لم يعودوا يخشون أي «رد رادع» من أكبر اقتصاد في العالم.
الإنقاذ اليوم يأتي من تحرك «الإعلام»، حسبما قال أحد الخبراء لـ«الأخبار»، إذ إن مجرد إعلان القمة الأوروبية وبروز إشارات من ألمانيا على تراجع شروط ميركل، أدى إلى ارتفاع بورصة أثينا أكثر من ٣ في المئة أمس وتحسنت البورصات الأوروبية بعد موجة هلع استمرت أياماً.
وعبر الإعلام أيضاً «عرفت الأسواق» أن رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس كان ورئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه توجها إلى ألمانيا للتخفيف من تحفظاتها على مساعدة اليونان، وهو ما أعاد بعض الثقة إلى أسواق المال.
وحسب بعض المصادر، فإن المساعدة اللازمة لإنقاذ اليونان أصبحت تقدر بما بين مئة و١٢٠ مليار يورو على ثلاث سنوات، لا ٤٥ ملياراً كما كان يدور الحديث قبل أشهر. وصرح رئيس البنك المركزي الألماني، اكسل فيبر، في مقابلة أمس، بأن تقديم مساعدة لليونان هو في نهاية المطاف الطريقة المثلى لتجنب انتقال عدوى مديونيتها إلى بلدان أخرى في منطقة اليورو. وأضاف «لنكن واضحين. تقديم مساعدة لليونان هو في نهاية المطاف الطريقة المثلى لتجنب انتقال الأزمة إلى دول أعضاء أخرى في منطقة اليورو».
وفيما تداعى البعض إلى «طرد اليونان من منطقة اليورو»، أكد أكثر من مصدر أن «الأمر ممكن قانوناً»، إلا أنه شدد على أن اليونان قد «تتخطى الأزمة» إذا تحركت لتطبيق إصلاحات في اقتصادها بطريقة حاسمة وموثوقة، وهو ما تطالب به ألمانيا بإلحاح، ويتوقع أن «يفرض على أثينا» في القمة المقبلة.