باريس ــبسّام الطيارةاستغل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مناسبة زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لباريس لإبداء تحفظه إزاء دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، فأشار إلى أنّه لن «يتنازل عن قوة الردع الفرنسية ما لم يتأكد من أنّ الأمر هو نفسه لدى الجميع. وتوجه بالكلام إلى ضيفه قائلاً «عندما تصبحان على نفس مستوانا، أي على بضع مئات» من الرؤوس النووية «عندها سنكون أول من يبدأ بالمرحلة التالية».
وفي المقابل، أعلن ميدفيديف أنّه يأمل أن تتمكن روسيا والولايات المتحدة من التوصل على وجه السرعة إلى معاهدة تحل مكان معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية (ستارت وان) التي انتهت مدة صلاحيتها، معلناً «لقد وصلنا من حيث المبدأ إلى الجزء النهائي من المفاوضات، وآمل أن تنتهي هذه المفاوضات في القريب العاجل».
إلا أنّ الرئيسين الفرنسي والروسي لم يتطرّقا علناً إلى مسألة نشر الصواريخ الأميركية في عدد من البلدان الأوروبية على الحدود الروسية، وهو ما يثير غضب موسكو ويؤخر التوقيع على معاهدة جديدة. مع أنّ هذه المسألة تهم فرنسا مباشرةً، إذ إنّها عارضت تاريخياً تركيب منظومة صواريخ أميركية على الأراضي الأوروبية حتى لا تتداخل مع نظام ردعها الوطني. حصل هذا مع الجنرال ديغول، وتكرر في عهد رونالد ريغان مع الرئيس ميتران الذي قبل على مضض نشر صواريخ بريشنغ في أوروبا عام ١٩٨٣، إذ إنّ فرنسا تتخوف من أن يدخل سلاحها النووي الرادع ضمن أي «جردة حساب» بين العملاقين عند أي مباحثات لخفض السلاح في مناطق التماس وفي أوروبا.
ولم يكن في إمكان باريس في عهد جاك شيراك معارضة محاولة جورج بوش نشر درع صاروخية في بولونيا، وهي تنفّست الصعداء عندما أعلن أوباما «إلغاء المشروع» في محاولة لإعادة الدفء في العلاقات مع موسكو.
وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت في أيلول الماضي نظاماً جديدتاً يهدف إلى اعتراض خطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وذلك بعد «تقويمٍ للخطر الإيراني»، وقد أعربت رومانيا وبلغاريا عن استعدادهما لاستقبال عناصر من الدرع الأميركية الجديدة رغم الخلافات التي تثيرها.
وكان الناطق باسم الدبلوماسية الروسية أندري نسترنكو قد صرّح بأنّ روسيا «تطرح أسئلة جدية» عن الهدف الحقيقي من نشر عناصر الدرع الأميركية المضادة للصواريخ في أوروبا، فيما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أنّ المشروع يؤثر في المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة. وعادت موسكو على لسان وزير الدفاع أناتولي سرديوكوف إلى التهديد بنشر صواريخ «إسكندر» في كالينينغراد، الجيب الروسي الواقع على أبواب الاتحاد الأوروبي، إذا ظهرت «تهديدات إضافية» على أمن روسيا في إشارة مباشرة إلى المنظومة الجديدة.
ويرى عدد من المراقبين أنّ «تجاوز ساركوزي وميدفيديف لهذا الملف» يهدف إلى «عدم إعطاء طهران أي إمكان لتفسير خاطئ»، في ما يتعلق بالتوافق الذي تم على مبدأ العقوبات بسبب ملفها النووي، وخصوصاً أنّ أوباما ركز عندما أعطى الضوء الأخضر لاستراتيجية معدّلة للدفاع الصاروخي في أوروبا على خطر الصواريخ الإيرانية المتوسطة والقصيرة المدى. لكن التوافق على عدم ذكر مسألة لا يعني تجاوزها، وخصوصاً أنّ فرنسا لا تنظر بعين الرضى إلى «تصرف الدول الجديدة في الاتحاد الأوروبي» التي تمثّل «حصان طروادة أميركياً في منظومة الدفاع والدبلوماسية الأوروبية»، يمكن أن تعتمد عليها واشنطن لمقاومة طلب ألمانيا وفرنسا (وعلى نحوٍ أقل حدة اللوكسمبورغ وبلجيكا والنروج) سحب «٢٠٠ صاروخ نووي» أميركي من أوروبا. إذ إنّ تصرف دول مثل بلغاريا ورومانيا وبولندا وبنسبة أقل تشيكيا التي قبلت منظومة رادارات تغطي روسيا كاملة، مبنيّ على «كراهية تاريخية لروسيا». كما لا يأخذ بالاعتبار الميزان الدبلوماسي الذي تحاول باريس وبرلين المحافظة عليه بين موسكو وواشنطن، الذي بسببه تنازلتا عن منصب «وزير خارجية الاتحاد الأوروبي» للبريطانية البارونة كاتلين أشتون. ويقول مصدر لـ«الأخبار» إنّها غير موجودة في الملفات، وما زالت ضائعة في دهاليز مقر الاتحاد الأوروبي من دون أن يسمع أحد بها وبما تقوم به.