بروكسل ــ أرنست خوريليس غريباً أن يكون لبنان أقل دولة تنال أموالاً ومشاريع وبرامج واستثمارات في مجموعة «السياسة الأوروبية للجوار». يكمن مصدر انعدام الغرابة في أن هذه السياسة، التي انطلقت عام 2004، تهدف في المدى الاستراتيجي البعيد إلى إعادة تكوين منطقة جنوب وشرق أوروبا تكويناً تكون فيه حوضاً يدور في الفلك الأوروبي، ويتيح للقارة العجوز أن تقدّم نفسها راعية وحامية ومتحدّثة باسم أكثر منطقة حساسة في العالم، إذ تجمع منطقة القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالنسبة إلى أوروبا، هناك الثروات والطاقة والممرات النفطية والمهاجرون والإرهاب، والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي... وكل شيء.
وفي مقابل هذه الخطة، يدرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن لبنان بلد لا كلمة لهم في استقراره ولا في سياسته. بكلمة واحدة، يعرفون أن هذا البلد أبعد ما يكون، في المدى المنظور على الأقل، عن السطوة الأوروبية. فلبنان في العيون الأوروبية، عبارة عن بؤرة مشاكل وحروب. كما أنّ الأوروبيين لم يفهموا بعد ما إذا كانت العلاقات مع لبنان لا تزال تمر عبر سوريا كما في الأيام الغابرة، أو أنّ الأمور تغيّرت. من هنا، فإن كانت سوريا لم توقّع بعد اتفاق شراكتها مع الاتحاد الأوروبي، فهل من المنطقي تقدّم العلاقات مع لبنان؟ ثمّ كيف يوازَن تعزيز العلاقة مع لبنان من دون هزّ التوازن مع إسرائيل وإيران؟ أضف أنّ تمويلاً أوروبياً لمشاريع يشارك فيها حزب الله، مباشرةً أو غير مباشرة، كونه موجوداً في الحكومة وفي البرلمان، معضلة لم يتمكّن الأوروبيون من حلّها بعد. معضلة لا يزالون يهربون منها ويؤجّلون ساعة الحقيقة، عندما سيكون عليهم مناقشة الإلحاح الأميركي المتواصل لتبنّي كامل مضمون لائحة الإرهاب الأميركية التي يتصدّر حزب الله ترتيبها. فكيف سيكون تعاطي الجنود الأوروبيين العاملين في إطار قوات اليونيفيل جنوب الليطاني، إذا قررت عواصمهم أنّ حزب الله تنظيم إرهابي؟ سؤال لا إجابة عنه بعد.
وبالحديث عن لبنان وحزب الله، من المفيد استحضار ما ذكّرت به روزا بلفور، المحللة السياسية لـ European policy center خلال ورشة عمل «تومسون فاوندايشن» عن «السياسة الأوروبية للجوار» في بروكسل، عن كيف أن الاتحاد الأوروبي لم يتدخّل في عدوان 2006، واقتصر النشاط الدبلوماسي على الدول الأوروبية لا على اتحادهم. وهنا لا تملك بلفور سوى الاستغراب إزاء الجمود الأوروبي الحالي في مواجهة تصاعد احتمالات حرب ما في المنطقة. كلام لا يعني أنّ الدول الأوروبية ستجلس مكتوفة الأيدي إذا تحقّق السيناريو الأسود، بل على العكس، ستكون ناشطة للغاية، لأنها تدرك سلفاً أنّ تكلفة حرب جديدة في المنطقة، أكانت ضد لبنان أم سوريا أم إيران، ستكون أكبر من أن تحتملها. هكذا يمكن اعتبار أنّ حال رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، كاثرين آشتون، هي انعكاس دقيق للسياسة الخارجية الأوروبية غير الموحّدة إلّا على عدد قليل من العناوين الدولية. فآشتون، كما يعترف معظم مسؤولي المفوضية الأوروبية، الذين شاركوا في ورشة عمل «السياسة الأوروبية للجوار»، وضعت نفسها في موقع صعب للغاية، وباتت محطّ هجوم الجميع، وأصبحت فاقدةً أيّ سلطة على الدول الأوروبية، ما يجعل من السهل تقويم الأشهر الخمسة التي تلت تعيينها بأنها «سيئة جداً».