بروكسل ــ أرنست خوريمن هنا تبدأ القصّة. اتحادان وُلدا ليعكسا الصراع الأبدي بين اثنين من الأقطاب الثلاثة للاتحاد الأوروبي: فرنسا وألمانيا، في ظل انعزال بريطانيا عن كل شيء إلا عن «الولاء» للولايات المتحدة.
الاتحاد من أجل المتوسّط حارب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لإطلاقه بفترة قياسية لم تتعدَّ الأشهر الستة، للقول للعالم ولشركائه الأوروبيين أولاً، إنّ جوار القارة العجوز فرنكوفوني أساساً، وبالتالي على باريس أن تكون المبادرة إلى تنظيم التعاطي مع دوله. إلا أنّ هذا الاتحاد جاء «مزحة سمجة» من حيث نتائجه، إذ يبقى حتى اليوم من دون موازنة ولا رؤيا، رغم أنه يحلو للبعض تبرير فشله بالعدوان الإسرائيلي على غزة. هكذا، فإنّ الاتفاق على أمين عام للاتحاد بدا كأنه مهمة مستحيلة بين رئيسي الاتحاد، باريس والقاهرة، قبل الاتفاق على اسمه أخيراً، ربما لأنّ أحداً لم يرغب في تحمّل العبء التاريخي بأن يرأس اتحاداً فارغاً.
ولأنّ برلين كانت ولا تزال عينها على الشرق، أطلقت «الشراكة الشرقية» بعد عام واحد من «اتحاد ساركوزي»، لتكون تجربة نقيضة للفشل الفرنسي: شراكة منظّمة مع موازنة ضخمة، تعلّمت من أخطاء «الاتحاد من أجل المتوسط»، ولم تلحظ حقّ الفيتو لأيّ من دولها، بهدف تأمين حدّ أقصى من الأمن النفطي السوفياتي السابق، الذي تعتمد عليه رفاهية
الأوروبيين.
وتشمل الرؤية الأوروبية للجوار، 16 دولة: لبنان والجزائر والمغرب وتونس وأرمينيا وأذربيجان وروسيا البيضاء وجورجيا ومصر وإسرائيل والأردن وليبيا ومولدافيا وفلسطين المحتلة وسوريا وأوكرانيا، 3 منها لم توقع اتفاقات الشراكة بعد، هي روسيا البيضاء وليبيا وأوكرانيا.
وتعبيراً عن اهتمام الأوروبيين بسياسة الجوار تلك، أدخلوها في معاهدة لشبونة، البديلة من الدستور الموحَّد، وأصبحت سياسة رسمية للاتحاد وسُلّمت مسؤوليتها لمفوّض توسيع الاتحاد، ستيفان فول.
سياسة جوار يرى الأوروبيون أنه يجدر بهم تعزيزها والتمسك بها نظراً للفوائد التي تعود بها عليهم على المدى البعيد، في مقابل مبالغ قد يجدها المراقب هائلة، إلا أنها في واقع الحال ضئيلة مقارنة مع مردودها.
فموازنة سياسة الجوار هي 12 مليار يورو لفترة ما بين 2007 و2013. وبعملية حسابية بسيطة، خلص أحد ضيوف ورشة عمل «السياسة الأوروبية للجوار» في بروكسل، إلى أنها تكلّف كل مواطن أوروبي نحو 3 يورو سنوياً من الضرائب لتمويلها، أي «ثمن فنجان قهوة في مقهى بلجيكي». كُرّس ثلثا هذا المبلغ لدول الجنوب، والثلث الباقي لدول الشرق. وفي العام المقبل، من المقرر إقرار موازنة فترة ما بين 2013 و2020، «لكن لا شيء محسوماً بما أنّ التوازنات بين دول الاتحاد تتغير في كل عام، كما أنّ مستوى العلاقة رهن أيضاً بالأوضاع عند الدول الشريكة في الجنوب كما في الشرق». كلام جديد يشير إلى ركاكة مشروع طموح إلى هذه الدرجة، لكنه لا يزال يحبس أنفاسه عند كل مناسبة، خوفاً من تغيّر موازين القوى داخل النادي الأوروبي، أو في العواصم العالم ثالثية التي يتعاطى معها.
مع الدول العربية، ربما يعوّل الأوروبيون على حقيقة أنهم يتعاطون مع حكومات أقل ما يُقال فيها أنها أنظمة بوليسية عسكرية لا انتخابات حقيقية فيها ولا تداول حراً للسلطة. انطلاقاً من ذلك، قد يظنّون أنّ ما يزرعونه اليوم، سيحصدونه غداً، على اعتبار أنّ أياً من القيّمين على الأنظمة العربية المعنية في شمال أفريقيا خصوصاً (إلا ليبيا طبعاً)، لن يمسّه الجنون، ولن يقرّر إعادة العلاقات مع أوروبا إلى النقطة صفر. بالتالي، فإنّ صرف الأموال على الدول العربية مجدٍ سياسياً واقتصادياً، بما أن أسواقاً هائلة تنتظر قدرة مواطنيها على شراء المنتجات الأوروبية.
أما العلاقة مع دول الشرق، فأمر مختلف تماماً. أوكرانيا أكبر نموذج. وقد لمس الأوروبيون معنى أن يضيع كل ما عملوا من أجله لسنوات. فاز حليف روسيا فيكتور يانوكوفيتش بالرئاسة، وقرر التوجه في أولى زياراته إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، ليقول إنه ضد توسيع حلف شمالي الأطلسي إلى البوابة الروسية، قبل التوجه إلى موسكو، حيث ينتظره العمل الطويل مع الحليف السياسي والنفطي والاقتصادي.