كركوك و«الكردستاني» واستقرار العراق أوّلاً... وخشية من النزعات التسلّطيّة للمالكيأرنست خوري
تركيا من بين الدول الأكثر حضوراً في الملف العراقي منذ 2003. فرضت نفسها منذ رفضت فتح أراضيها وأجوائها أمام الغزاة، لتربط بعدها علاقاتها مع أي حكومة عراقية، بلاءاتها الأربع، كل ما دونها يمكن التفاوض حوله: لا لضم محافظة كركوك لإقليم كردستان العراق. لا لاستقلال كردستان العراق. لا لهيمنة طائفة أو إثنية على أخرى في بلاد الرافدين. وأخيراً، لا لاستمرار العراق قاعدةً خلفية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني.
بناءً على ذلك، حاولت أنقرة تطبيق دبلوماسيتها «العلمانية»، القائمة على تكتيك «مصالحة الأشقاء»، و«تصفير المشاكل»، وفتح الوساطات بين الأطراف التي يصعب جمعها، مفضِّلة الاعتراف بالحكومة المنتخبة منذ 2005، لكن أيضاً الاعتراف بقوى لم تشارك في العملية السياسية، ومن دون التفريق بين سني وشيعي. حتى إنها أرغمت نفسها على الاعتراف بحكومة كردستان، عندما زار وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، أربيل، في النصف الثاني من العام الماضي، وفتح قنصلية لبلاده فيها، بعدما بدا أنّ أنقرة نالت ما أرادته من أكراد العراق في إحكام القبضة حيال «الكردستاني».
في ضوء هذه الخلفية، تعاطت تركيا مع انتخابات السابع من آذار الجاري، من منطلق أنّه لم يعد لديها أعداء في العراق، وعلى قاعدة أنّ الجميع أصدقاؤها.
المالكي لم يتجاوب مع المساعي التركية: المصالحة الوطنيّة والأزمة مع سوريا
وفي إلقاء نظرة سريعة للكتل العراقية الرابحة الثلاث، يصعب الجزم في الحكم على «مَن تفضّله تركيا»، بما أنه، رسمياً، أيّ من هؤلاء لا يجاهر بنيته تغيير الأوضاع حيال المبادئ التركية الأربعة.
إلا أنّ ذلك لم يمنع عدداً من الصحف التركية، تقدمتهم الصحيفة الأقرب إلى حكومة «العدالة والتنمية»، «توداي زمان»، من إفراد تقارير موسعة للانتقادات العراقية الموجهة إلى رئيس الحكومة نوري المالكي.
فالرجل متّهم بـ«ممارسة سياسة الرجل الواحد، وبالتفرد بالحكم والديكتاتورية والهيمنة على جميع المؤسسات المركزية الحكومية، العسكرية والقضائية والاقتصادية والسياسية منها». كلام قد ترى فيه أنقرة خطراً محتملاً عليها، وخصوصاً أنها راقبت بدقّة كيف خاض المالكي، على نحو شبه منفرد، معظم المعارك الدبلوماسية مع بعض دول الجوار (السعودية منذ 2003، وإيران على خلفية الآبار النفطية الحدودية ومياه شط العرب والأراضي المتنازَع عليها، وسوريا منذ 19 آب الماضي).
في هذا السياق، تخشى تركيا أن يعود المالكي ليمارس هذا السلوك نحوها إذا تولّى ولاية ثانية، وهو ما قد يؤثّر على المشاريع التركية النفطية، لكون مشاركة بلاد الرافدين في خط أنابيب نابوكو، شرطاً مركزياً لإبقاء صفة دولة رجب طيب أردوغان، كأهم ممر نفطي في العالم.
كذلك فإنّه لا بدّ من أن الأتراك قد امتعضوا مراراً من أنّ المالكي لم يتجاوب مع الكثير من الوساطات، التي خاضت أنقرة البعض منها، وخصوصاً مع الأطراف السنية العربية غير المشاركة في العملية السياسية. وهنا يجدر التذكير بما راج عن أن زيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر العام الماضي إلى تركيا، حملت طلباً إلى المسؤولين الأتراك، لمصالحته مع الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين، حارث الضاري، الذي لا يزال غير معترف بالعملية السياسية.
وكانت تركيا تسعى إلى المسارعة في طمأنة أي مخاوف تعرب عنها حكومة المالكي إزاء الدور التركي في العراق. من هنا لم تتردد في تلبية طلب بغداد زيادة حصة مياه الفرات للعراقيين. كذلك فإنها جزمت بأنّ علاقتها مع تركمان كركوك محصورة بالحيز الثقافي ـــــ التاريخي. وأخيراً، احترمت تركيا وعدها بوقف حملاتها العسكرية على شمال العراق فور تشديد حكومة بغداد سلوكها مع مقاتلي «الكردستاني».
ولنزع أي شكّ في «مذهبيّة» السياسة الخارجية التركية، استقبلت أنقرة كل من طلب زيارتها، وبادرت إلى دعوة الجميع: الصدر وعبد العزيز الحكيم وطارق الهاشمي ونوري المالكي... حتى أكراد العراق.
كردياً، لا يرجّح كثيرون أن تسعد أنقرة بانخفاض شعبية التحالف الكردستاني، لمصلحة منافسيه، بما أنها تدرك أن مستوى القومية الكردية عند قائمة نوشيروان مصطفى مثلاً، «التغيير»، مرتفع جداً، وتعلم أنّ الأكراد سيظلون كتلة واحدة إزاء العناوين الكبيرة التي تجمع غالبيتهم، وفي مقدمتها شعار «كردستان الكبرى».
يبقى أنّ تركيا تفضّل أن يربح في العراق، التحالف الذي يحمل أكبر قدر من «السلمية»، أكان تجاه الخارج، أم في مشروعه الداخلي. فتركيا، كسوريا وإيران والسعودية والولايات المتحدة، متأكّدة من أنّ استقرار الشرق الأوسط من استقرار العراق، والعكس صحيح.