لن تنتهي تحليلات نتائج الانتخابات الفرنسية قريباً. لكن الأكيد هو أنّ الرئيس نيكولا ساركوزي تلقّى فيها صفعة قوية من مواطنيه، وحصد فيها نتائج سياساته، بينها سلوكه الذي اقترب فيه كثيراً من طروحات اليمين المتطرف إزاء المهاجرين وكل ما هو «فرنسي مزيَّف»: قضية نجلاء الحيمر نموذجاً
باريس ــ بسّام الطيارة
يوم السبت الماضي، بلع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إحدى نتائج سياسته المتشدّدة تجاه المهاجرين والغرباء، وشاهد على التلفزيون عودة التلميذة المغربية نجلاء الحيمر (١٩ عاماً) من المغرب، بعد طردها على خلفية فقدان أوراق إقامتها. مساء يوم الأحد، مع إعلان نتائج الانتخابات المحلية، بلع ساركوزي أفعى سياسة التحريض على الهجرة التي اتبعها لجذب اليمين المتطرف، فلم تأتِ الأرقام لتشير إلى خسارة حزبه فقط، بل لتدل على أنّ حزب «الجبهة الوطنية»، الذي يتزعمه جان ماري لوبن (٨١ عاماً)، حقق «نصراً» في الدورة الأولى من الانتخابات، بإحرازه 11.6 في المئة على الصعيد الوطني، أي ما يزيد على 2.4 مليون صوت عن آخر انتخابات، فيما تجاوز الـ٢٠ في المئة في معاقله في جنوب شرق البلاد.
لا يمكن الفصل بين صورة التلميذة نجلاء، التي استقبلتها «صديقاتها الفرنسيات» وأساتذتها والجمعيات الفرنسية الناشطة المناهضة لطرد الأجانب، في باحة مطار أورلي، رافعين لافتات «بلاد الشرطة طردتك... بلاد التضامن والأخوة تستقبلك»، عن صورة لوبن على التلفزيون، ملوحاً بملصق انتخابي منع القضاء توزيعه، ويحمل شعار «لا للتطرف الإسلامي»، ويمثل امرأة منقبة إلى جانب خريطة لفرنسا مغطاة بالأعلام الجزائرية وعليها مآذن على شكل صواريخ موجَّهة.
ساركوزي «واقع بين شقّي الصورتين»؛ فهو «سامح» نجلاء، وسمح لها بالعودة استثنائياً، إلا أنه أيضاً روّج على نحو مباشر وغير مباشر، لطروحات اليمين المتطرف، رابطاً بين انعدام الأمن وارتفاع البطالة، ما سمح له بالوصول إلى الإليزيه وكسب غالبية نيابية جارفة في الانتخابات السابقة، وجعل التشدد في قوانين الهجرة وترحيل المهاجرين، سمة السنتين الأوليين لعهده. ثمّ فتح ملف «الهوية الوطنية» وربطها بالبرقع على وقع التصلب السويسري في ما يتعلق ببناء المساجد، وإثارة الشكوك في مواطنيّة المجنَّسين، لدرجة أنّ تصريحات لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية، بدأت تخرج من أفواه سياسيين في كتلته اليمينية، وكان آخرها تصريح عضو مجلس الشيوخ جيرار لونغي عن «الفرنسي الأصيل» و«الفرنسي الغريب».
بالطبع، ينبع خطر مثل هذه السياسة في أنها تهيّئ الأرضية لطروحات عدوانية مثل «ملصق لوبن»، وتدفع المتطرفين للمجاهرة بمواقفهم العنصرية، وهو ما حصل في الانتخابات الأخيرة، عندما أشار 2.4 مليون ناخب إلى أنهم «يفضلون الأصيل على المزيف»، وعادوا إلى حظيرة الجبهة الوطنية بعدما تركوا سراب ساركوزي.
نتيجة سمحت للوبن بالقول إنّ رئيس الجمهورية «أعلن هزيمة الجبهة الوطنية ووفاتها ودفنها، لكنها أثبتت أنها لا تزال قوة وطنية وتزداد أهمية»، مطالباً الناخبين بتعزيز هذا النصر في الدورة الثانية، كي «تكون الجبهة قوة فرنسية نضالية قادرة على تصحيح أوضاع هذا البلد الذي تعمه حالة مزرية».
ويعرف معظم الخبراء أنّ «المهاجرين» في فرنسا يمثّلون محركاً اقتصادياً وديموغرافياً لا يمكن التخلي عنه، وأن اليمين، مثل اليسار، يعرف هذه الحقيقة العلمية التي تدعم الاقتصاد الفرنسي «خلافاً لما يقوله اليمين ولما يخاف توضيحه اليسار»؛ فاليد العاملة الرخيصة ضرورية في ظل الأزمة المالية، وخصوصاً أنها تشغّل مرافق «تخلّى عنها الفرنسيون»، كذلك فإن «الدم الجديد» الذي تضخه هجرة «شباب مثل نجلاء» في الديموغرافيا الفرنسية، تجعل فرنسا الأكثر ديناميكية في أوروبا.
ويرى عدد من الخبراء أنّ ساركوزي نجح في «قصم ظهر الوسط» عبر اتباع سياسة يمينية وضعت ناخبي الوسط أمام خيار صعب جداً: إما اللحاق به وبطروحاته اليمينية المتطرفة من جهة، وإما الهرب لصفوف الحزب الاشتراكي من ناحية أخرى. إلا أنه في الوقت نفسه، فتح الرئيس ممرّاً بين حزب يمين الوسط الديغولي، واليمين المتطرف. لهذا، يمكن القول إنّ «الجبهة الوطنية» هي الرابح الأول في الدورة الأولى، بانتظار تثبيت انتصارها في الدورة الثانية عبر زيادة نسب خسارة حزب ساركوزي.

قصّة نجلاء

توجّهت نجلاء الحيمر في العشرين من شباط الماضي إلى مركز الشرطة في شاتوه رنار (وسط فرنسا)، لرفع شكوى على شقيقها الذي أساء معاملتها وضربها. إلا أن الشرطة اعتقلتها بسبب غياب أوراق إقامتها، رغم أنها مسجلة في مدرسة ومتقدمة لشهادة رسمية. أودِعَت نجلاء قيد السجن الاحترازي، ثم أبعدت إلى المغرب، بعد صدور قرار ترحيل مستعجل. تداعت جمعيات عديدة لمساعدتها، من بينها جمعية «تربية بلا حدود»، التي تنادي بعدم إمكان طرد التلامذة والطلبة، وجمعية «أورليانز» لحقوق الإنسان، الذي قال الناشط فيها دومينيك تربين إنّ «الطرد التعسفي الذي تعرضت له نجلاء، يوضح التصرف الدنيء المتزايد لحكومة تنتهك حقوق الانسان وقيم الجمهورية».أما مشيل ريكو، المندوب البلدي للحزب الشيوعي الفرنسي في منطقة لواريه، التي تعيش فيها الفتاة، فلفت إلى أنه «شعر بالغضب والإهانة من هذا الإبعاد»، وتساءل: «أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟».
وكشف أحد المقربين من نجلاء، أنها هربت من المغرب للإفلات من زواج قسري كان مفروضاً عليها، ولجأت إلى شقيقها الذي يقطن في فرنسا وتسجلت في المدرسة منذ خمس سنوات وتتابع دراستها بنجاح. إلا أن شقيقها أساء معاملتها، وكان يعنفها ويضربها في بعض الأحيان، ما دفعها للتوجه إلى مركز الشرطة «حسب التعليمات التي تبثها السلطات يومياً لمكافحة العنف تجاه النساء».
ولدى استقبال ساركوزي جمعيات نسائية في مناسبة الذكرى المئوية لليوم العالمي لحقوق المرأة، وفي ظل الاحتجاج القوي والحملة الإعلامية التي رافقت طرد نجلاء والبلاد على أبواب انتخابات، أعرب قاطن الإليزيه عن استعداده لإقرار عودة «هذه التلميذة إلى فرنسا إذا كانت ترغب في ذلك». وعلى الفور، أصدرت القنصلية الفرنسية في الرباط تأشيرة «لمدة طويلة».