باريس ــ بسّام الطيارةيستعد المشهد السياسي في فرنسا لتغيير كبير في ركائزه التي كانت تعتمد على «مواجهة بين حزبين كبيرين»، ينتصر الذي يتمكّن منهما من جذب القوى الصغرى وبعض القوى الوسطية. فما إن وصل نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه، حتى بدأ، وفق هذه الآلية، باعتماد نهج قطيعة شرذمت منافسه الأكبر، الحزب الاشتراكي، واستوعبت نصف الوسط وقضت على اليمين المتطرف وحجّمت خصومه ومنافسيه المحتملين داخل حزبه نفسه. إلا أنّ ثلاث سنوات من الحكم أعادت نسج أرضية جديدة لا توافق البتّة خطط الرئيس، بل تعرقلها وربما تعرقل مستقبله في انتخابات الرئاسة المقبلة.
وبدأ ساركوزي الاستعداد للأمر بالتراجع بسرعة مدهشة عن عدد من «طروحاته الإصلاحية». فلم تمرّ ٢٤ ساعة على هزيمته الانتخابية حتى تخلّص من سياسة الانفتاح في التغيير الوزاري، وعادت فاضلة عمارة إلى جمعياتها، واستغنى عن أحد أركان فريقه، وزير العمل كزافييه داركو. وكرس التعديل الوزاري انضمام ممثلين لخصومه في الحزب الحاكم، إذ عيّن في حقيبة المال النائب فرنسوا باروان، أحد أشد المخلصين للرئيس السابق جاك شيراك. وكلّف النائب جورج ترون، المقرّب من دومينيك دو فيلبان، حقيبة الوظيفة العامة. ورغم أنه أراد أن يكون ذلك دليلاً على رغبة في حكومة تضم كلّ أطياف اليمين من خارج الموالين له وتجميد الانفتاح على اليسار، إلا أنّه يمكن أن ينقلب ذلك عليه. فمن المتوقع أن يعلن دومينيك دو فيلبان اليوم إنشاء حزب جديد هو بمثابة انشقاق في حزب «تجمع الأكثرية الشعبية» الذي فتح ساركوزي أبوابه لعدد من تنظيمات الوسط، ما أدى إلى «ذوبان الديغوليين التاريخيين». ويأمل دو فيلبان بجذب قسم كبير منهم مستفيداً من «نافذة ضعف الرئيس». وفي حال نجاح إطلاق حزبه الجديد، يكون دو فيلبان من كبار رابحي معركة الانتخابات الأخيرة.
لكنّه ليس الوحيد. فقد غطت نسبة الأصوات العالية التي حصلت عليها سيغولين رويال (60.6 في المئة) على نجاح الحزب الاشتراكي، وخصوصاً أنّها عرفت كيف «تدير صورة ما بعد إعلان النتائج». فهي نسبت الانتصار «لكلّ الشعب» كأنّها تضع نفسها فوق الأحزاب، وهو مسلك «كلّ مرشح للانتخابات الرئاسية». ورغم أنّها أجابت عن سؤال بشأن «مستقبلها السياسي» بقولها «حتى الآن لست مرشحة»، إلا أنّها استطردت بتوجيه انتقادات لساركوزي كأنّها تضع منافسته نصب عينيها. أضف أنّها لا تزال تقاطع اجتماعات الحزب الاشتراكي، فيما تشير كل الاستطلاعات إلى أنّها يمكن أن تكون عقبة أمام طموحات السكرتيرة الأولى للحزب مارتين أوبري أو دومينيك شتروس كان. فهل تكون المعركة في ٢٠١٢ بين رويال ودو فيلبان وساركوزي، أم يحل فرنسوا فييون «ذو الشعبية المرتفعة» محلّ الرئيس كما تتحدث الشائعات؟