أرنست خوريما إن طرحت الحكومة التركية مشروعها لتعديل الدستور، يوم الاثنين الماضي، حتى حصل ما كان متوقعاً: حملة هوجاء قادها المتضررون الأوائل من مشروع رجب طيب أردوغان، أي الجهاز القضائي التركي، بكل أجنحته، الذي سيفقد عدداً من صلاحياته إذا أُقرّت التعديلات في البرلمان، أو بموجب استفتاء شعبي مرجَّح.
وفي الجهة الأخرى من الميدالية المعارِضة، ظهر «الليبراليون جداً»، جميعهم من المثقفين والأكاديميين والفنانين والصحافيين، ممن أعلنوا معارضتهم لمشروع «الميني دستور»، على قاعدة أنه يحمل إصلاحات غير كافية لتجعل تركيا دولة ديموقراطية وأوروبية فعلاً.
وبدأ الجهاز القضائي، الذي يقوده مسؤولو المحكمة الدستورية وقضاة محكمة الاستئناف العليا، بتنظيم حملة لتبيان «عدد المخالفات الدستورية» التي يتضمنها مشروع التعديل الذي قدمته الحكومة. وعقد رئيس محكمة الاستئناف العليا، القاضي حسن غرشكر، اجتماعاً مع 30 من مسؤولي المحكمة في المناطق التركية، الذين طلب منهم إعداد تقرير مفصَّل له عن المظاهر غير الدستورية لرزمة الإصلاحات. وكشفت مصادر شاركت في الاجتماع القضائي أن المسؤولين صوتوا بالإجماع ضد التعديل الدستوري المطروح. وفي واحدة من المرات القليلة التي يظهر فيها قاضٍ بمستواه أمام وسائل الإعلام ليتحدث بالشؤون السياسية، نصح غرشكر الحكومة، في حديث لمحطة التلفزة «أن تي في»، بـ«تفادي القيام بخطوات قد تؤذي مبادئ فصل السلطات واستقلالية القضاء».
وفتحت المعركة التي أطلقها قضاة تركيا ضد التعديلات، سجالات جديدة من نوع «هل يمكن لصق صفة غير دستورية بتعديلات دستورية؟». وانقسم أساتذة القانون حول هذه النقطة. ففيما رأى فاضل حسني إردم من جامعة ديكل أن ذلك لا يجوز بتاتاً، أشار أكرم علي أكارتورك، أستاذ مادة القانون في جامعة yeditepe، إلى أن ذلك يجوز بما أن الإصلاحات التي تتعلق ببنى «الهيئة العليا للقضاة والمدعين العامين»، تؤثر سلباً على أداء الجهاز القضائي وعمله.
وجنّد معارضو الحزب الحاكم كل قواهم لمحاربة المشروع الحكومي الجديد، وخصوصاً في الصحف التي انقسمت، كما يحصل دائماً، بين مؤيد ومعارض للتعديل. فقد كثرت التوصيفات المهاجمة له، واختُرعت مصطلحات جديدة، من مثل «دستور حزب العدالة والتنمية» لا الدستور التركي، على حد تعبير أوميت كوكاساكال، أستاذ القانون في جامعة غلطة سراي، و«الانقلاب الأبيض»، و«شراء القضاء»...
لكن في المقلب الآخر، برز عدد كبير من الخبراء القانونيين ممن هللوا للتعديلات الجديدة، ونفوا صفة «المنافية للدستور» التي ألصقتها بها المعارضة، التي أعلن حزباها الرئيسيان، «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية التركية»، رفضهما المطلق لها. وبحسب رمضان شغليان من جامعة كيريكال، فإنّ تبرير الجهاز القضائي لرفض التعديلات الجديدة هذه، بأنها تضرب مبدأ فصل السلطات، بما أنّ أعضاء في المحكمة الدستورية و«الهيئة العليا للقضاة والمددعين العامين» سيكونون معينين من رئيس الجمهورية ومنتخبين من البرلمان، هي «حجّة سخيفة»، بما أنّ هذا المعيار هو المطبّق في دول عريقة في ديموقراطيتها وفي نزاهة قضائها، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. أما عن الاعتراضات التي ووجهت بها التعديلات التي تتعلق بطريقة وشروط حظر الأحزاب السياسية، والتي حُلّ بموجبها 20 حزباً منذ البدء بتطبيق البنود التي أقرها دستور عام 1982، فإنّ المشروع الحكومي استقى فكرة عرض الحظر على البرلمان من خلال لجنة تتألف من الأحزاب نفسها، من دول معروفة بانتعاش حياتها الحزبية، في مقدمتها اليابان وألمانيا.