تستعدّ واشنطن لمرحلة جديدة من الحروب أو السيطرة. مرحلة تتطلب من الجيش الأميركي أن يكون متعدّد اللغات، لكن التركيز على اللغتين الروسية والشيشانية أثار حفيظة موسكو التي باتت تتحسّب للطموحات الأميركية
ربى أبو عمّو
كان الضابط في الجيش الأميركي يبحث ومجموعته عن أسلحة الدمار الشامل في العراق خلال الغزو. يحمل خريطة. ينتقل من زقاق إلى آخر، ويعوقه جهله للغة العربية. يستعين بأحد المواطنين العراقيين مترجماً، لمساعدته في رحلة البحث عن أسباب الحرب على بلاد الرافدين. هذا مشهد من فيلم «غرين زون»، الذي أراد أن يبوح للعالم بالسر العراقي: النفط. ورغم أن هذه هي الفكرة الأساسية في الفيلم، يستطيع المشاهد أن يدرك أهمية اللغة في الحروب، التي يمكن أن تكون عائقاً.
بالتوازي مع أهمية الأسباب الاستراتيجية لأي حرب، تبرز اللغة، أحد أسلحة الانسجام مع الشعب ومعرفته والتقرب منه. وهو ما أقلق روسيا، بعدما كشفت صحيفة «برافدا» عن أن وزارة الدفاع الأميركية تستعد لتقديم حوافز مالية إضافية تبدأ من 500 دولار أميركي إلى جميع الضباط والجنود، إضافة إلى المترجمين وجهاز الاستخبارات، الذين يعرفون على الأقل لغة أجنبية واحدة، وخصوصاً الروسية والشيشانية.
ولاحظ البنتاغون أن نجاح بعثات الجيش الأميركي في الخارج تعتمد إلى حد كبير على قدرة الجنود على التواصل مع سكان البلاد لغوياً. وقال المسؤول عن تنفيذ برنامج التدريب على اللغة والدراسات الإقليمية في سلاح الجو، بول فالنزويلا: «نحن نتحدث عن الجانب الإنساني للبعثة. لضمان نجاحها، يجب فهم عادات هؤلاء الناس وثقافتهم والتكلم بلغتهم»، مشيراً إلى أن «الروسية تندرج في إطار اللغات الأكثر أهمية».
وجدت «برافدا» في هذا القرار تهديداً لأمن بلادها، ما دفعها إلى عرض تقريرها مستشهدة بمواقف عدد من الخبراء السياسيين. ممثل روسيا الدائم في حلف شمالي الأطلسي، دميتري روغوزين، قال إنه «بمجرد أن يتسلم الجيش الأميركي مسألة اختيار اللغة، نستطيع التنبؤ بالأماكن التي تستعد واشنطن لأن تنشط فيها. وإذا ألقينا نظرة على قائمة اللغات الموصى بها لطياري الجيش الأميركي، فسنرى أنه بالإضافة إلى الروسية والشيشانية، يشمل الاهتمام لغات الشعوب المقيمة في منطقة القوقاز، مثل الأذربيجانية والأرمينية والجورجية»، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تولي اهتماماً خاصاً بمنطقة القوقاز.
من جهته، أشار النائب الأول للقضايا الجيو سياسية قنسطنطين سيفكوف إلى النقطة الأهم، قائلاً إنه «ليس قبل وقت طويل من العدوان على العراق ويوغوسلافيا، بدأ الضباط يدرسون اللغة العربية والصربية. والآن، فإن الولايات المتحدة تستعد لعدوان». وربط بين هذا الاحتمال والتدريبات العسكرية الأميركية الأخيرة في دول البلطيق.
أما نائب مدير معهد الدراسات السياسية والتحليل العسكري ألكسندر كرامشيكين، فأوضح أنه «لا يرى أي تهديد لمصالح روسيا في الخطوة الأميركية هذه. الضباط الأميركيون يتعلمون اللغات الأخرى كتقليد». لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن «رغبة الأميركيين في تعلّم اللغات الأجنبية هو دليل آخر على طموحاتها العالمية».
ويخشى الروس «احتلال» لغتهم، التي قد تجر وراءها تهديداً لحدودهم. خوفٌ كان لا بد له من أن يبدأ منذ سنوات طوال، وخصوصاً أن اللغة لطالما مثّلت جدلاً في واشنطن. في عام 2007، انتقد الكاتب الأميركي جون فريفالدز، في مقال تحت عنوان «حرب الكلمات»، عدم إيلاء بلاده الأهمية اللازمة للغات للانتصار في الحرب، مشيراً إلى فقدان الجيش الأميركي هذا العامل خلال حربه على كل من أفغانستان والعراق. وانتقد أسلوب عمل معهد اللغات في البنتاغون، قائلاً إن «برامجها تمتد من سنة إلى ثمانية عشر شهراً. هذه مدة طويلة جداً».
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المعهد أنشئ في عام 1941، خلال الحرب العالمية الثانية بهدف تعليم الضباط الأميركيين اللغة اليابانية. وخلال حرب فييتنام، درس نحو 20 ألف جندي أميركي اللغة الفيتنامية. لكن فريفالدز أشار إلى أن الحكومة الأميركية خفضت اهتمامها بتعليم اللغات الأجنبية. ويتابع قائلاً إنه لدى وجود الجيش الأميركي في البوسنة، لم يتعلم أن يقول «توقف» في البوسنية. وبعد خوضها العديد من الحروب المباشرة أو غير المباشرة، يبدو أن واشنطن أدركت أهمية اللغة. فليستعد القوقاز.