أرنست خوريسيُحيي الأتراك، بعد أيام، الذكرى الـ13 لآخر الانقلابات التي أطاحت حكومة نجم الدين أربكان في 28 شباط 1997، وهم مطمئنون إلى أنّ عسكر بلادهم فقد إحدى أقوى أوراقه التي استخدمها في إدارة الحياة السياسية: ألغي أمس «بروتوكول التعاون للأمن والانتظام العام» (إمسايا) الذي فُرض بعد الانقلاب الـ«ما بعد حداثي»، أو «الانقلاب الناعم». بروتوكول كان مجرّد ورقة تتيح للجيش واستخباراته التدخل في أيٍّ من الشؤون الداخلية من دون نيل موافقة السلطات الإدارية المدنية، ودائماً تحت ذريعة حماية الأمن القومي. بروتوكول ليس قانوناً ولا بنداً دستورياً ولا مرسوماً ولا قراراً حتى. مجرّد اتفاق بين الجيش ووزارة الداخلية، ظلّ لـ13 عاماً مصدر رعب بالنسبة إلى الأتراك؛ بموجبه، قد يُعتقل أي منهم، وقد يرون الدبابات في الشوارع، وقد تُقال حكومتهم أو حتى تُقفَل صحيفة، أو يُعرقَل مؤتمر ما من دون مسوّغ قانوني.
حصل كل شيء بسرعة قبل إلغاء البروتوكول، ولو أنّ الموضوع وُضع على نار ساخنة منذ افتضاح «خطّة المطرقة»، آخر إبداعات ملف «إرغينيكون»، بما أنّ محاولة الانقلاب التي أُعدّت في آذار 2003، كانت تحتمي بهذا البروتوكول، ما أطلق حملة شارك فيها رئيس الجمهورية عبد الله غول (من المرات النادرة التي يتدخل فيها علناً في دعم طرح حكومي يشهد سجالاً قوياً بين مؤيّد ورافض) ورئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ووزراء حكومته، وخصوصاً وزير الداخلية بشير أتالاي، المعني الرئيسي بالبروتوكول.
أطلق جميع المعنيين بالموضوع حملتهم التي قدمت المسوغات القانونية لإلغاء «إمسايا»، وتعهّد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، قبل يومين، إلغاءه قبل 28 من الشهر الجاري، الذكرى الـ13 للانقلاب على أربكان. ويوم أمس، خرجت صحيفة «حرييت» بعنوان على صفحتها الأولى، مستقى من كلام أدلى به رئيس أركان الجيش إلكر باسبوغ، في مقابلة معها، ومفاده أنه «لم يعد هناك حاجة إلى هذا البروتوكول». صدر الضوء الأخضر العسكري إذاً، بعد ضوء مماثل سياسي، عبّر عنه غول بإصرار، في مقابلة أخرى سبق أن أجراها معه كل من حسن كمال وشنغيز شندار من الصحيفة نفسها يوم الاثنين الماضي. وحصلت في الأيام القليلة الماضية سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى بين مسؤولين عسكريين وآخرين حكوميين، انتهت بقرار مفاجئ أعلنه أتالاي، بعد ظهر أمس، كشف فيه «إلغاء بروتوكول إمسايا». وبما أنّه ليس سوى اتفاق بين قيادة الجيش والوزارة، فإنّ الإلغاء كان سهلاً وصدر بقرار من وزارة الداخلية، من دون عرض الموضوع على البرلمان ولا على المحكمة الدستورية، حيث كان يتوقّع أن يسقط بالضربة القاضية كالعادة. وبعد إلغاء هذه الوثيقة، عادت صلاحيات استدعاء القوات العسكرية إلى حكام المحافظات، إذا احتاجوا إلى مساعدة في قضايا أمنية أو في حال حصول كارثة طبيعية مثلاً.
وكان غول قد هيّأ الأرضية، في مقابلته الصحافية المذكورة، فكشف أنه يُعَدّ لوثيقة أمنية جديدة شبيهة بما هو حاصل في جميع دول العالم، تنظم أصول وآليات وشروط تدخل العسكر في الشؤون الأمنية.
بناءً على إلغاء البروتوكول، وبعد تحجيم صلاحيات مجلس الأمن القومي وسلطاته، سيكون من السهل وضع أي تدخل مستقبلي للعسكر في الشؤون الداخلية، أكان على شاكلة «محاكاة سيناريو» (كما وصف الجيش خطة المطرقة)، أم على شكل تهديد لفظي بالتدخل لحماية قيم العلمانية ووحدة الأراضي التركية، في خانة محاولة الانقلاب التي لا شك في أنّ الدستور التركي الجديد الجاري إعداده، سيعاقب عليها بأقسى العقوبات.