استبدال خطط الحرب بتهديدات عنتريةميونخ ـــ عمر نشابة
بعد تراجع لهجة الحرب، بدأت الدعاية السياسية الغربية تروّج لعقوبات مشدّدة على إيران وعزلها دولياً. هذه اللهجة التي سادت مؤتمر ميونخ حول الأمن في جنوب ألمانيا، اتّسم بها خطاب مستشار الأمن القومي الأميركي، الجنرال جايمس جونز، الذي تحدث عن ضرورة مواجهة «التحدي الإيراني» بزيادة الضغوط الدولية عليها، من خلال توسيع العقوبات، وتشديد سياسة العزل المنتهجة.
أما وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، الذي حضر إلى ميونخ رغم عدم توجيه دعوة رسمية مسبّقة إليه، فقد عبّر عن استعداد طهران للبحث في تصدير كمية من اليورانيوم المخصّب في مقابل وقود نووي، في ما بدا إشارة إيجابية تدفع نحو تسوية محتملة.
لكنّ الوزير الإيراني أصرّ على تحديد كمية اليورانيوم. وأكّد أن اجتماعه بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، في ميونخ، كان «جيداً جداً»، رغم إعلان الأخير أن الوزير الإيراني لم يقدم مقترحات جديدة بشأن خطة المبادلة، مشدّداً على ضرورة تسريع الحوار مع إيران.
إيجابية متّكي هذه، قوبلت بما يشبه سلسلة عنتريات أوروبية أميركية إسرائيلية؛ حذّر وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيله، إيران من أن «صبر المجتمع الدولي ليس بلا حدود». وبدا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، غير ممانع لمضاعفة العقوبات على طهران، رغم دعمه لجولة جديدة من التفاوض غير محكومة بمهلة زمنية محدّدة. لكن الهجوم الأساسي جاء على لسان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، الذي حمّل البرنامج النووي الإيراني مسؤولية تعثّر «عملية السلام». أما رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور جوزيف ليبرمان، فحذّر إيران عسكرياً عبر تلويحه بخطط جاهزة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك عبر قوله «لا أحد يريد الحرب لا هنا ولا في واشنطن، لكن علينا بالأفعال لا بالأقوال. ولا يجوز التفاوض مع الإيرانيين من دون أنياب، وبالتالي علينا فرض عقوبات اقتصادية صارمة عليهم».
وفي برلين، يخفّف متخصصون في الشؤون الإيرانية، من وقع العقوبات الدولية على إيران. فالجار الصيني للجمهورية الإسلامية يستغلّ عزل إيران غرباً ليشقّ طريقه إلى السوق الفارسي عبر الشرق، فيما تسعى إيران أيضاً إلى توثيق علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تركيا وتطويرها.
في هذا الخضم، انضم المدير العام السابق للاستخبارات العامة السعوديّة، الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، إلى العنتريات الغربية، عبر إعلانه عدم جدوى تمديد التفاوض مع إيران. وقال أن «لا شيء يرضي إيران أكثر من الكلام والمزيد من الكلام». وطرح أسلوباً بديلاً لفرض العقوبات الدولية، عبر اقتراح تحديد منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الأوسط، من دون أن يذكر إذا كانت إسرائيل ستكون ضمنها. ودعا الأمير السعودي إلى فرض عقوبات دولية، بما فيها عقوبات عسكرية، على دول المنطقة التي ترفض نزع سلاحها النووي.
وإذ تمكّن متكي من خطف الأضواء في مؤتمر ميونخ، تحول الحديث عن النووي الإيراني إلى الحديث عن الوضع الداخلي في الجمهورية الإسلامية، حيث استهجن السيناتور ليبرمان «تساهل المشاركين في المؤتمر مع كذب متّكي في حديثه عمّا يجري في الداخل الإيراني»، بعدما ذكر الوزير الإيراني أن الوضع في بلاده لا يدعو إلى القلق. غير أن هناك شبه إجماع أوروبي على أن الاضطرابات الأخيرة في الداخل الإيراني، أضعفت نظام الجمهورية الإسلامية. رغم وجود قناعة عند البعض، بأن ذلك النظام لا يزال ممسكاً بزمام الأمور.
وما يطلق عليه بعض الخبراء الألمان «اليوتوبيا الإسلامية»، التي كانت قد وعدت بها الثورة الإسلامية، تراجعت أخيراً تراجعاً ملحوظاً. فالخبراء الألمان في الشؤون الإيرانية، يرون أن عودة التوتر بين الجمهورية الإسلامية والسعودية ودول الخليج، ومساهمة تطوير إيران للسلاح النووي في تأجيج ذلك التوتر، يُعيدان إيران إلى سياسات الشاه، ويؤكّدان التراجع اللافت في ما كان قد أنجزه الرئيس السابق، محمد خاتمي، خلال توليه الرئاسة الإيرانية (1997ـــــ 2005).
ويعترف خبراء في برلين بأن الحركة الاحتجاجية في إيران فشلت في تحقيق إنجازات كبيرة، وهي عاجزة أصلاً عن إدارة البلاد، حتى لو أتيحت لها فرصة حقيقية في قلب النظام. أمّا في ما يتعلّق بتنامي العصبية القومية على حساب العصبية الإسلامية، ففي ذلك مبالغة، لا بل عجز واضح. فبينما الأكثرية الساحقة تنتمي إلى المذهب الشيعي الإثني عشري، تمثّل الأقليات القومية المتعددة أكثر من 50 في المئة من الإيرانيّين. وبذلك يكون تحريك كتلة شعبية كبيرة تحت راية القومية الفارسية أو شعارات وطنية إيرانية، أشدّ صعوبة وأقلّ جذباً للشارع من تحريك جماهير الأكثرية تحت راية الإسلام. وقد يكون بالتالي قلب النظام ممكناً فقط من خلال تقسيم البلاد.
أما في صفوف الإصلاحيّين، فيرى بعض الخبراء الألمان، أن أمين حزب «اعتماد مللي»، مهدي كروبي، هو أكثر قدرة على استخدام الشعارات لخدمة توجهاته المعارضة، بينما يخشى زعيم حزب «درب الأمل الأخضر» مير حسين موسوي قمع السلطة، ويحرص محمد خاتمي على الحفاظ على دور متواضع.
في أيّ حال، النظام الإيراني، يعاني عجزاً في قدرته على الاستثمار السياسي لبعض الخطوات التي اتخذها أخيراً، مثل مبادرة إطلاق سراح الطلاب، الذين كانوا قد اتّهِموا بالتعرّض لمؤسس الجمهورية الإمام الخميني، خلال الاضطرابات الأخيرة.


لقاء متّكي وأمانو «جيد جداً»وقال متكي، خلال المؤتمر السادس والأربعين حول الأمن في ميونيخ، «تبادلنا وجهات النظر بشأن الاقتراحات المطروحة»، في إشارة إلى مبادلة الوقود النووي المخصص لمفاعل الأبحاث النووية في طهران. لكنّه كرّر إصرار إيران على تحديد كمية الوقود التي ستجري مبادلتها، وقال إنها قد تكون أقل من 1200 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب، التي تطالب القوى العالمية بنقلها دفعة واحدة، على أن تحصل إيران على يورانيوم أعلى تخصيباً يمكنها استخدامه في مفاعل أبحاث في طهران ينتج النظائر الطبية.
وتابع «حاولت أن أشرح وجهة نظر الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمدير العام». وكان يشير بذلك إلى تصريحه يوم الجمعة، من أن اتفاقاً «نهائياً» بشأن تبادل اليورانيوم بات وشيكاً.
(أ ف ب)