في بنغلادش حدث ديني سنوي بضخامة الحج لناحية العدد. لا يتناول السياسة، ولكنّ رجالها يتمايلون بين رجال الدين ويصلّون في أماكن منفصلة
شهيرة سلّوم
قبل أكثر من أسبوع، وعند صلاة الجمعة، بدأ الملايين الاجتماع العالمي للمسلمين، أو ما يعرف بـ«بيشوا اجتماع»، على ضفاف نهر توراج في مدينة تونغي البنغلادشية، حيث أقاموا الصلاة والطقوس الدينية على مدى ثلاثة أيام.
حدثٌ لا يتمتع بشهرة في العالم العربي، لكنه بضخامة موسم الحج في مكة، لجهة العدد الهائل للمشاركين الذين يستقطبهم، رغم أنه ليس فرضاً دينياً بل بمثابة تقليد أطلقته «جماعة التبليغ» من جامع صغير في بنغلادش قبل نحو 63 عاماً، ولا يتناول قضايا سياسية بل أموراً دنيوية عن أحوال المسلمين.
وانتهى «بيشوا اجتماع» هذا العام بـ«المناجاة الأخيرة» التي تُليت باللغتين الأوردية والعربية. وفي اليوم الأول، ألقى رجال دين من الهند وباكستان وغيرهما مواعظ دينية تُرجمت إلى عدّة لغات، بينها العربية والصينية والإنكليزية والبنغالية والتاميلية.
ومع مجيء اليوم الثاني، كان قد تجاوز عدد الحشود مليونين ونصف مليون، واستمر تدفق المؤمنين الذين أتوا من أكثر من 90 دولة بعشرات الآلاف. وانتشر أكثر من 20 ألف عنصر أمني من الشرطة وقوات الخفاش السريعة والاستخبارات في المكان لحماية الحشود المؤمنة.
ففي كل عام من مثل هذا الوقت، تستضيف «جماعة التبليغ»، «بيشوا اجتماع»، وهذه لفظة مختلطة عربية وسنسكريتية، وكلمة «بيشوا» تعني عالمي. والهدف من إنشاء هذا البرنامج كان تنشيط الفكر الإسلامي داخل المجتمع البنغلادشي، حيث تمثّل نسبة المسلمين 88 في المئة من عدد السكان، أي ما يوازي أكثر من 114 مليوناً. وتُعدُّ بنغلادش بذلك رابع أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان بعد إندونيسيا وباكستان والهند.
وتعود جذور نشوء الاجتماع إلى عام 1946 في جامع «كاكرايل» في رامنا. ومع بداية الستينيات، استقطب مسلمين من مختلف المقاطعات الـ17 لشرق باكستان سابقاً (بنغلادش حالياً) خلال شهور فصل الشتاء الجاف، من أجل الاستماع إلى خطب رجال الدين من المدارس الدينية المشهورة في ذلك الوقت في التفسير والبيان.
ولم تكن الصحافة تُولي أهمية لهذا الحشد القليل داخل مسجد «كاكرايل» في بداياته، لكنه قطع مسافة طويلة منذ الستينيات، بحيث صار يكبر أكثر فأكثر مع بداية السبعينيات، لينتقل بعدها إلى منطقة تونغي التي تبعد 10 أميال لجهة الشمال عن العاصمة داكا.
وفي أواخر السبعينيات، حظيت الحركة بمباركة الحكومة العسكرية آنذاك، وكان الجنرالات يظهرون في هذا المشهد الديني الضخم لـ«بيشوا اجتماع». حتى إن الديكتاتوريين العسكريين في باكستان، كالجنرال أيوب خان والجنرال يحيى خان، كانوا يتمايلون بين رجال الدين، رغم أن تصرفاتهم لم تكن تُوحي أبداً بآداب التعاليم الإسلامية. فأيوب خان كان على علاقة غير شرعية مع فتاة من الطبقة البرجوازية، ويحيى خان كان يعاقر الخمر.
وفي التسعينيات، انهمرت أموال «البترو دولار» على المنطقة كالمطر، وتدفقت العملات الأجنبية من الدول النفطية إلى أرض الاجتماع بالملايين، وسال معها توافد المؤمنين من كل الدول الإسلامية.
في السابق، كانت «جماعة التبليغ» تستضيف هذا الحدث لخمسة أيام على التوالي. ولكنّ لجنة الاجتماع خفضت البرنامج إلى ثلاثة أيام من أجل حشد المؤمنين. وإذا ما نظرنا إلى الوجهة الاجتماعية والسياسية للحدث، فسنجد أن كل السياسيين من كل الألوان والتيارات يتوجهون إليه. الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء والسلطة والمعارضة، جميعهم يحضرون ويتضرعون من أجل يوم الدين. وإن حصل أن تغيّب أحدهم تكفهرّ الوجوه، ويصبح الغائب حديث العامة والإعلام ومحل انتقاد.
أما النساء، فرغم أنهن لسن ملزمات بارتياد المساجد وفقاً للتعاليم الإسلامية، فإن حركة التبليغ شجعت نساء بنغلادش على حضور هذا الحدث. وفي هذا الحدث المُثير مجموعة وقائع: أولاً أنه يستقطب أكثر من 2.5 مليون مسلم في أول يومين، ويرتفع هذا العدد في اليوم الثالث من أجل المشاركة في المناجاة الأخيرة ليصل إلى 3 ملايين، وتتحدث أرقام عن 4 ملايين، فيما حجاج مكة المكرمة قد لا يصلون إلى هذا العدد (في موسم حج عام 2009 بلغ عدد الحجاج الذين رموا الجمرات مليونين و521 ألفاً تقريباً)، ما يجعل «بيشاو اجتماع» فعلياً أكبر حشد عالمي لتجمّع المسلمين.
ثانياً، «بيشاو اجتماع» ليس فرضاً دينياً يُلزم كل المسلمين القادرين بأن يُقيموه، بل هو ابتكار أبناء بنغلادش. ثالثاً، هذا الحدث يروّج للفصل الطبقي بين أفراد المجتمع، إذ إن لجان «جماعة التبليغ» التي تنظم الحدث تقوم بتشييد خيم منفصلة للوفود الأجنبية والموظفين الحكوميين والسياسيين. أما الناس العاديون فلا يمكنهم بلوغ هذه الخيم.