ماكدونالد» يحتفل بعامه العشرين في روسيا. موسكو تستذكر عام 1990. كيف كان «الماك وجبة الحرية»
ربى أبو عمو
بتاريخ 5 شباط من عام 1990، كتبت آن بلاكمان في مجلة «تايم» الأميركية عن ناديا فانوفا (16عاماً في ذلك الوقت)، إحدى الفتيات اللواتي قرأن إعلان الماكدونالد عن حاجته إلى موظفين في روسيا. كانت تقف خلف حاسوب لتلقّي طلبات الزبائن. طلب أحدهم برغر كبيرة مع بطاطا مقلية. قدمت إليه طلبه وقالت: «شكراً. أرجو أن تعود ثانيةً». لكن مساعد المدير سيرغي سفورتسوف هزّ رأسه بغير رضىً: «نييت (لا). حاولي ثانيةً. يجب أن تنظري إلى عيون الزبائن وتبتسمي». مرّت سنوات عشرون. داخل أحد فروع مطعم ماكدونالد في ساحة بوشكين في موسكو، القريبة من الكرملين، امتهن العاملون الروس الابتسامة، هم الذين لم يعتادوا الابتسام للزبائن. حتى إنهم خرقوا قواعد العمل في 31 الشهر الماضي، وكثّفوا ابتساماتهم، احتفالاً بمرور 20 عاماً على تأسيسه، ليصادف عمره عمر انهيار الاتحاد السوفياتي.
مثّل الماكدونالد رمزاً لسير البلاد في اقتصاد السوق على نطاق واسع. ويُنظر إليه على أنه الشركة التي أسهمت في تدفق الاستثمار الأجنبي إلى روسيا. نجاح دفع الشركة إلى إعلان عزمها على استثمار 135 مليون دولار في روسيا لتوسيع عملياتها وتطويرها من خلال افتتاح 45 فرعاً جديداً في البلاد هذا العام.
وفي السياق، قال النائب التنفيذي للشركة جيم سكينر إن «روسيا هي الأولوية بالنسبة إلى الاستثمار هذا العام كجزء من استراتيجية تطوير بقيمة 1.2 مليار دولار في أوروبا، حيث تملك الشركة 6600 فرع، وتنوي افتتاح 250 هذا العام».
نجاح «الماك» في روسيا لا يعني أن البداية كانت سهلة. يستذكر رئيس الشركة في كندا وروسيا، جورج كوهون، أن «الأمر استغرق نحو 14 عاماً لإقناع السوفيات بالسماح للمطعم بدخول البلاد». وأشار إلى أن الرافضين حذّروه من أنه لن يتمكن من إيجاد موظفين، فرد عليهم: «قولوا لي من الذي يفوز في دورة الألعاب الأولمبية؟ السوفيات. فكيف إذا لن يكونوا قادرين على العمل في مطاعمنا؟». عودةٌ إلى عام 1990. تاريخ ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، فترة من التخبط كان لها أثر في المجتمع الروسي. وإلى جانب هذا التخبط، حدثٌ آخر كان يطغى على المشهد الروسي: افتتاح «الماكدونالدز» في موسكو.
كان الروس في هذه الفترة مثقلين بعبء المعاناة، ولم يكن لديهم نهمٌ إلى «الماك» بقدر نهمهم إلى ما هو خارج الحدود. جورج، وهو لبناني كان يتابع تحصيله العلمي في روسيا، يذكر جيداً هذه المرحلة، يقول «أيام الاتحاد السوفياتي، كنت أقصد موسكو قادماً من لينينغراد، لأحصل على بطاقة لمشاهدة بحيرة البجع لتشايكوفسكي، ومن ثم أعود ليلاً إلى لينينغراد. وبعد الانهيار، قصدت موسكو أيضاً قادماً من لينينغراد، لأحصل على وجبة الماك، وقد وقفت في الصف الذي يمتد من شارع الحمراء حتى الغبيري، نحو ساعتين».
ويرى جورج أنه «رغم نجاح الماكدونالد، فإنّ هذا لا يُلغي عادات الروس. فهم لا يفضلون الوجبات السريعة».
وذكرت صحيفة «موسكو تايمز» قصة لأحد مراسليها عام 1990. وقتها كان عمره 8 سنوات. أخذته جدّته إلى الماك، وبعد ساعات من الوقوف في الصف، حصلت الجدة على «وجبة الحرية»، في مقابل 26 روبلاً، العملة التي تحمل صورة لينين.
صحيح أن موسكو دخلت في اقتصاد السوق الاستهلاكي، إلّا أنها أسقطت نظرية الاقتصادي توماس فريدمان. ففي عام 1996، وضع الأخير نظرية عن دور الماكدونالد في منع نشوب الحروب بين الدول. قال «لم يخُض أيّ بلدين يضمان ماكدونالد حرباً ضد بعضهما بعضاً. فعندما يصل البلد إلى مستوى معين من التنمية الاقتصادية، وتكون لديه طبقة وسطى كبيرة قادرة على دعم ماكدونالد، فإنه يصبح بلد الماكدونالد. والناس في بلاد الماكدونالد لا يحبّون خوض الحروب، بل يفضّلون الانتظار في الصف للحصول على البرغر».
إلا أنّ روسيا فعلت الاثنين. أكلت البرغر، وخاضت حرباً ضد جورجيا. ولا يزال الكافيار طبقها المفضّل.