باريس ــ بسّام الطيارةكلما اقتربت الانتخابات الفرنسية، بحث السياسيون عن منفذ لإقحام الإسلام في المعركة وكسب أصوات اليمين المتطرف. ورغم أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أطلق عنان هذه الموجة، إلا أن مارين لوبن، ابنة رئيس الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة جان ماري لوبن ونائبته ووريثته السياسية، لم تتردد في اتهام ساركوزي بأنه «يسعى لأسلمة فرنسا بالقوة»، في محاولة لاسترداد أصوات اليمين المحافظ التي سلبها من الجبهة الوطنية، وصعد على ظهرها ليصل إلى الإليزيه.
سبب هذا التراشق هو سلسلة مطاعم الوجبات السريعة «كويك»، التي قررت فتح فروع لها مخصصة للمأكولات الحلال، رغم أن «التجربة تطال فقط ثمانية مطاعم» من أصل ٣٥٠ مطعماً في فرنسا. وقد دفع اعتراض رئيس بلدية روبيه (شمال فرنسا)، رنيه فانديريندونغ، بهذا الملف إلى الواجهة الإعلامية، بعدما اعترض على فتح فرع في مدينته، رغم أنها من المدن التي ترتفع بين سكانها نسبة الجاليات الإسلامية، بحجة أن «العرض غير متوازن»، وأن غياب عرض مأكولات ليست حلالاً هو «تمييز».
وقد اندفع السياسيون من اليمين واليسار في هذه الفتحة لينتقدوا ما وصفوه بأنه «توجّه طائفي» للمجتمع. وقال وزير التربية لوك شاتيل، في مقابلة تلفزيونية، «أنا لست من محبّذي التطييف»، بينما رأى النائب في حزب الرئيس، ريشار ماليه، أن «هذا الأمر غير مقبول».
واكتشف الجميع أن سلسلة مطاعم «كويك» مملوكة من صندوق الودائع الفرنسي الذي يعدّ «اليد المالية الضاربة للحكومة الفرنسية»، ما فتح الباب واسعاً أمام اليسار واليمين المتطرّف لانتقاد الحكومة «صاحبة اليد الطولى في القرارات الاستراتيجية» للشركة التجارية. ولم تتردد مارين لوبن، في مقابلة تلفزيونية، في وصف الأمر بأنه «فضيحة»، كأن «الدولة تفرض ضرائب إسلامية» على الشعب الفرنسي، وأن «ساركوزي يعمل على أسلمة فرنسا بالقوة»، رافضة أي فكرة «تحالف مع يمين ساركوزي» الذي تنفذ حكومته برنامجاً «يعاكس طروحات الجبهة الوطنية». ورأت أن مسألة «عرض مأكولات حلال فقط هي أفضل مثال على ذلك».
وفي الواقع، فإن صندوق الودائع الفرنسي اشترى في ٢٠٠٧ مجمل حافظة أوراق سلسلة كويك الشهيرة، التي تأسست عام ١٩٧١ في بلجيكا، قبل أن تفتح فروعاً لها في فرنسا ولوكسمبورغ. وهي تعمل بصورة عامة حسب مبدأ «الفرانشايز»، أي ترخيص العلامة التجارية، وإن كانت تمتلك مباشرة نحو ٢٠ في المئة من مطاعمها المنتشرة في العالم التي بلغ عددها حسب آخر أرقام متوافرة ٤٥٠ مركز بيع. وقد بدأت الشركة بالتوسع خارج أوروبا عام ٢٠٠٢ بفتح مطعم في المغرب ثم إمارة دبي عام ٢٠٠٣، وكان رأس مالها بحدود ٦٧ مليون يورو عندما اشترت أسهمها الحكومة الفرنسية، قبل أن تفتتح فرعاً لها في الجزائر.
وقد وصف مسؤولو «كويك» الأمر بأنه «مجرد تجربة»، ولا يمكن معرفة «نتائجها التسويقية»، وأنه لم يكن يمكن الحصول على نتائج «علمية» إذا كان هناك «عرض مزدوج للحلال إلى جانب غير الحلال». ويقول مراقبون إن على شركة «كويك» أن تراعي «صورتها في الخارج» إذا أرادت أن تتوسع في الدول العربية، من جهة، ومن جهة ثانية فهي قد «انتبهت» إلى أنها لم تعد تستطيع تجاوز «الطلب على الأكل الحلال» في فرنسا وإهماله، الذي يتجاوز مجمل قيمته السنوية ٤ مليارات يورو، وهو في تنام متواصل.
وبالتالي، فمن المستبعد أن تتراجع عن «تجربة الحلال»، ولكنها في المقابل ربما تضطر إلى عرض غير الحلال، بحيث يستطيع المستهلك الاختيار. ولكن يتخوّف البعض من أن ينتقل الأمر بعد ذلك إلى الملاحم الحلال والمطاعم العربية التي تتخصص في توفير مأكولات توافق شروط الأكل الحلال إلى جانب بعض المطاعم الإثنية مثل «بيتزا حلال»، قبل أن تنتقل ربما إلى مطاعم «الكاشير» وتجارتها المخصصة للطائفة اليهودية.