انتهى يوم الانتخابات ولا تزال أوكرانيا عرجاء: طعن بالنتائج ورئيس غير محسوم وأزمة اقتصادية. أمّا راعيتها روسيا، فيخشى البعض من أن تعجز عن اجتذابها
ربى أبو عمو
لا تزال صورة أوكرانيا بعد إعلان نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية مبهمة. النتائج أعطت فوزاً غير نهائي لزعيم حزب «الأقاليم» المعارض فيكتور يانوكوفيتش. رئيسة الوزراء يوليا تيموتشينكو قدمت طعناً إلى المحكمة الإدارية العليا، التي علقت النتائج إلى حين دراسة الطعن.
الرئيس الحالي فيكتور يوتشينكو، الذي خرج من الدورة الأولى للانتخابات، رأى أن «بلاده ستغير مسار سياستها الخارجية مع تنصيب يانوكوفيتش رئيساً جديداً». إلّا أنه لم يحدّد هذا المسار. لكنه أضاف إن «الجولة الثانية من الانتخابات لم يكن لها معنى، لأنه لا فرق من سيكون الفائز. فوصول يانوكوفيتش وتيموتشينكو إلى الجولة الثانية هو أفضل مشروع لروسيا منذ عام 1991».
ولم يكذّب يانوكوفيتش توقعات يوتشينكو. إذ أعلن أن بلاده «قد تكون مستعدة للسماح للأسطول الروسي بالتمركز في ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود بعد عام 2017، حين ينقضي أجل الاتفاقية الروسية ـــــ الأوكرانية بهذا الشأن». وأضاف أنه «حريص أيضاً على تحسين العلاقات في مجال الغاز، وسيحيي فكرة إنشاء كونسورتيوم للغاز يسمح لموسكو بأن تشارك في إدارة خطوط الأنابيب في أوكرانيا».
إنها كييف بعد أسبوعين من الانتخابات. تفلت من الغرب ورواسب ثورتها البرتقالية، وترجع إلى روسيا. بعد تكريس فوز يانوكوفيتش رئيساً، على الأرجح، يسقط الاشتباك مع روسيا، بمباركة أميركية. هذا ما يشير إليه بعض المتابعين للملف. فواشنطن لم تضغط، رغم إدراكها لفشل تجربتها مع يوتشينكو، أقله على بقاء الدفّة لمصلحتها وإن برئيس آخر. ورغم الطعن الذي قدمته تيموتشينكو بحجة التزوير، فإنّ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أشادت بالانتخابات «الديموقراطية والنزيهة» التي شهدتها كييف.
واشنطن، بدورها، رحّبت بحسن سير الانتخابات الرئاسية، والرئيس الأميركي باراك أوباما هنّأ رئيس حزب «الأقاليم» من دون انتظار الطعن ونتائجه. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رأى أنّ فوز يانوكوفيتش انتصار للديموقراطية. والرئيس الروسي ديمتري مدفيديف هنّأه بطبيعة الحال، وإن مال إلى أسلوب رسمي في التعاطي مع أوكرانيا.
هذه المرونة الأوروبية والغربية تشي بأمرين: إمّا أنها رضوخ لفشل اقتحام أوكرانيا بعد الثورة، أو قرار بترك كييف لموسكو في الوقت الحالي، في مقابل إعادة تحريك الميزان في ضفة أخرى من الكوكب، إيران.
ويلاحظ بعض المتابعين للملف الروسي أن ليونة موقف موسكو المستجد لناحية فرض عقوبات على طهران، تزامنت مع حسم نتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية لمصلحتها، وإن كانت معروفة سابقاً، إضافةً إلى ما قدمته واشنطن في الفترة الأخيرة من «تنازلات» في ما يخص الدرع الصاروخية والملف الجورجي.
هكذا عادت كييف إلى كنف موسكو. أوكرانيا، إحدى الضحايا الأساسيين للأزمة المالية، وقعت في يد ضحية أخرى، غارقة في مشاكلها الداخلية. إلّا أنه بعدما خسرت موسكو دول البلطيق، فهي غير مستعدة للتنازل عن بلد يمثّل استمرارية لقوتها. في المقابل، لا يمكن أوكرانيا في هذه المرحلة إلا انتظار السخاء الروسي. ويقول مستشار مدفيديف، فيكتور تشيرنوميردين، إنه «يجب على أوكرانيا تحقيق الاستقرار السياسي كي تتمكن من التغلب على الأزمة». ويضيف «كان للأزمة الاقتصادية تأثير سلبيّ خصوصاً على أوكرانيا وروسيا. أمر يجعل الأخيرة عاجزة عن اقتراح حلول». ومع ذلك، يرى أنه «يجب على الدولتين التغلب على الأزمة معاً».
لا بد لروسيا أن تتساهل في «أزمة الغاز»، التي شابت العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة. فأوكرانيا على الأرجح لن تكون قادرة على دفع ثمن الغاز لهذا العام. ولن تستطيع الاتكاء على الاقتراض من صندوق النقد الدولي. ستنتظر قراراً روسياً بخفض سعر الغاز. ويرجّح أن يمنح الاتحاد الجمركي الثلاثي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان مقعداً لعضو جديد هو أوكرانيا. وتعوّل كييف، من خلال هذا المقعد، على خفض فاتورة الغاز الطبيعي الروسي، على غرار بيلاروسيا، التي تحصل على الغاز الروسي بأسعار تفضيلية.
ومن جهة أخرى، لن تخشى روسيا تكرار استفزازات يوتشينكو، وخصوصاً الانضمام إلى حلف شمالي الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي.
روسيا تسعى، في المرحلة المقبلة، إلى تهدئة الوضع السياسي في أوكرانيا، في ظل إصرار تيموتشينكو على السير عكس الرياح. ثم، تأتي مرحلة اجتذاب أوكرانيا اقتصادياً وسياسياً.
فكما عمل العلماء في جمهورية بشكيريا الروسية على استخلاص روائح معيّنة ومواد كيميائية تسمّى الفيرمونات، تفرزها الكائنات الحية، لاجتذاب فراشات تضر بالمزروعات، فإن مدفيديف يعمل على رمي «الفيرموناته» السياسية والاقتصاديّة في كييف، لاجتذابها.