بعد مطاردة استمرت سنوات، أعلنت إيران، أمس، اعتقال زعيم جماعة «جند الله»، عبد المالك ريغي، الذي تتهمه بتدبير عدد كبير من الهجمات الدامية في البلاد

معمر عطوي
بعد مسيرة تجاوزت ست سنوات من محاربة النظام الإيراني، خرج وزير الاستخبارات الإيراني محمد مصلحي ليعلن، في مؤتمر صحافي، أن عبد المالك ريغي، الرجل الأول الذي تطارده إيران منذ سنوات، اعتقل بعد اعتراض طائرة كانت تقلّه من دبي إلى قرغيزستان، مؤكداً أن توقيفه جاء نتيجة «عملية استخبارات استمرت خمسة أشهر، من دون أي مساعدة من دول أخرى».
وكان الفتى الذي نشأ في منطقة جبلية وعرة بين إيران وباكستان وأفغانستان تُعرف بإقليم سيستان بلوشستان، قد أصبح لغزاً أمنياً، تتهمه طهران بتلقّي الدعم من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية. اتهامات ردّت عليها واشنطن أمس، واصفة إياها بأنها «كاذبة تماماً».
ومع ذلك، أكد مصلحي أن ريغي كان مسافراً بجواز سفر أفغاني «منحته إياه الولايات المتحدة»، وأنه كان «في قاعدة أميركية قبل اعتقاله»، موضحاً أن زعيم جند الله التقى «مسؤولين عسكريين في الحلف الأطلسي في نيسان 2008».
اللافت أن السلطات الباكستانية نقضت الرواية الإيرانية للاعتقال، مؤكدة أنها هي من سلّمت ريغي إلى طهران قبل أسبوع، حسبما ذكرت قناة «الجزيرة» الفضائية.
قصة هذا الشاب العشريني، الذي لم يحتمل قتل شقيقه أمام عينيه على أيدي عناصر الأمن الإيراني، بدأت قبل 6 سنوات حين تجاوز مشورة العقلاء من مشايخ الجماعة البلوشية، الذين رفضوا الاستجابة لطلبه قبل 5 سنوات بتأليف منظمة تعمل ضد النظام الإسلامي في البلاد. فاحتضنه تجار المخدرات، الذين وظّفوا معركتهم مع النظام الإيراني في إطار مذهبي تارة وفي إطار عرقي تارة أخرى.
لكنّ ريغي دفعته حماسته إلى السير في لعبة الأمم، فقام بتلبية مصالح بعض دول الجوار ومن لهم علاقة عداء مع إيران، تحت عنوان الدفاع عن حقوق السنّة في وجه السلطة الشيعية وتحقيق الحكم الذاتي لبني قومه من البلوش، عن مواطنيهم الفرس.
عبد المالك، الذي ينتمي إلى إحدى أكبر القبائل البلوشية (ريغي)، بدأ نشاطه المسلّح منذ ست سنوات تقريباً، وما لبثت مجموعته الصغيرة أن تحولت إلى منظمة باسم «جند الله»، مطلقة شرارة المواجهة مع الحرس الثوري في عام 2005.

إسلام آباد تنفي رواية الاعتقال الإيرانية وتؤكد تسليمه قبل أسبوع لطهران
هذه الشرارة انطلقت بعد فترة وجيزة على إطلاقه من سجن مدينة زاهدان (عاصمة الإقليم) «بسبب خلافات قبلية»، حسبما أعلنت طهران، ووصلت إلى ذروتها مع صدور حكم بالإعدام على شقيقه عبد الحميد، في محكمة إيرانية الصيف الماضي.
لم يُعرف عن الرجل مآثر علميّة أو إنجازات سياسية. كل ما كُتب عن حياته المتواضعة تلقّيه التعليم الديني في مدارس الإقليم، وحمله للسلاح في سن التاسعة عشرة.
لكنه أصبح من أهم الشخصيات المطلوبة على لائحة الإرهاب في إيران وبعض الدول الأخرى.
وتطوّر نشاطه بدعم مالي (يقول إنه عبارة عن تبرّعات من مؤيّديه)، ما أفسح في المجال أمام منظمته، التي غيّرت اسمها إلى «حركة المقاومة الوطنية الإيرانية»، لتطوير عملياتها المسلحة، من أجل تحقيق الحكم الذاتي في الإقليم المضطرب، ووسّعت نشاطها هذا العام بالتحالف مع «مجاهدي خلق»، المسلّحة أيضاً.