أرنست خوريتشهد تركيا، منذ فترة، ظاهرة جديدة اسمها انتحار ضباط الجيش. انتحارات «مشبوهة» يرى البعض أنها تصفيات تتزامن مع تقدّم الاعتقالات بحقّ ذوي الرتب العسكرية، على خلفية ثبوت تورّط عدد منهم في خطط شبكة «إرغينيكون». آخر انتحار عسكري حصل أول من أمس، غداة أكبر زلزال يضرب عسكر تركيا، حين اعتُقل في غضون ساعات نحو 50 ضابطاً بتهمة «الانتماء إلى تنظيم إرهابي». بعدها، وجّه القضاء تهماً رسمية لسبعة ضباط أمس، بينما أخلي سبيل 6 آخرين فقط. وحسب وكالة «الأناضول» الحكومية، فإنّ بين المتّهمين 5 متقاعدين واثنين في الخدمة. ومع اتهام الضباط السبعة، يكون عدد من وُجّه لهم الاتهام بالتخطيط لانقلاب أصبح نحو 200، عدد كبير منهم عسكريون.
وبموازاة ارتفاع نار التوتر بين الجيش والحكومة والرئاسة والقضاء، وما يرافقه من توتر في الشارع والأسواق المالية، تتواصل الانتحارات العسكرية المحيِّرة. فأول من أمس، انتحر العقيد المتقاعد سليمان أورال أوزشغتاي، بعدما قتل زوجته وابنتيه بواسطة مسدّسه. أمر قد يحصل في أي بلد في العالم، إلا أنه في تركيا، وفي هذه الأيام بالذات، قد يتّخذ أبعاداً لها علاقة بملف «إرغينيكون».
وسارعت بعض الصحف التركية، وفي مقدمتها «توداي زمان»، إلى ربط انتحار أوزشغتاي بسلسلة الانتحارات الأخرى التي سُجّلت في صفوف ضباط الجيش، موحية باحتمال أن يكون الرجل انتحر كي يتفادى تحقيقاً ممكناً على خلفية المنظمة الإجرامية، ليقضي على احتمال أن تُسرَّب أي معلومات عن إمكان تورّطه في الملف الذي يشغل تركيا منذ 2007.
ومنذ أقل من عام حتى اليوم، سُجّلَت عمليات انتحار بارزة وغريبة في صفوف الجيش، عدد من ضحاياها لم تُشرّح جثثهم «كي لا يكتشف أنها كانت تصفيات على أيدي رجال إرغينيكون»، على حدّ تعبير صحيفة «بوغون».
وفي الشهر الأخير من العام الماضي، وُجد العقيد علي تتر ميتاً في منزله في اسطنبول. وخلص التحقيق إلى اعتبار الحادثة «انتحاراً»، وهو ما بقي محطّ شكوك لأنه سبق للرجل أن اعتُقل وخضع للتحقيق في قضيّة «إرغينيكون» وأخلي سبيله في ما بعد، ما عزّز الشكوك في أنه اغتيل كي لا يدلي بالمزيد من معلوماته.
وقبلها بنحو شهرين، في 20 تشرين الثاني الماضي، وُجد العقيد المتقاعد بلغوتاي فاريملي متوفىً بعدما قفز من شرفة منزله في شارع كاديكوي في إسطنبول. حينها راجت تقارير عديدة مشكّكة في رواية الانتحار، لأنّ الرجل كان معروفاً بإيمانه الديني، وعلى قاعدة أنه «لن يجرؤ على ارتكاب مثل هذه المعصية» المحرمة بشدة في الإسلام. وعزّز من هذه الشكوك أن جثّة فاريملي لم تخضع للتشريح.
وفي السياق، سُجّلت وفاة كل من العقيد المتقاعد تنجو أونال والعقيد نورسال جديك في سجل الانتحار، أيضاً «من دون أن تخضع جثتاهما للتشريح» وفق «توداي زمان».
وذروة قصص «الانتحار المشكوك في صحتها»، وفاة النقيب أولغان فورال، الذي وجد ميتاً في منزله في آذار 2009، عندما أظهر التحقيق أنّ حجم الثقب الذي أحدثته الرصاصة الداخلة في رأسه، مختلف عن حجم الثقب الذي خرجت منه، وهو ما يرجّح أن يكون الرجل قُتل رمياً بالرصاص من الخلف. وكان فورال أحد الضباط الرئيسيين في قضية «إرغينيكون»، لأنه أرسل ملفات «حسّاسة» أسهمت بتسريع التحقيقات. كذلك حال ما أظهرته تشريحات جثة الرئيس السابق لجهاز العمليات الخاصة في الشرطة الوطنية بهجت أوكتاي الذي قِيل إنه انتحر في سيارته في شباط الماضي في أنقرة.
يبدو أنّ قسماً كبيراً من ضباط الجيش التركي تلامذة أمينون للرئيس الأسبق للأركان، منفّذ انقلاب عام 1980، الجنرال كينان ايفرين، الذي هدّد قبل أشهر، بالانتحار إذا قرّرت السلطات الحالية محاكمته على خلفية ذلك الانقلاب.